من شوارع الوطن

بقلم : صلاح البردويل

العودة إلى صفحة الرسالة

البقاء للاصلع

فقط اذا تأملت قفاه ترى بعض خصلات الشعر التي شابت وهي تتناثر في اعقاب رأسه دون ان يترك للحلاق فرصة ان ينتزع منه اجرة حلاقتها ، فهي كما يقول لا تستاهل ان يدفع عليها ما يمكن ان يصرفه على بيته. اما باقي مساحة الرأس فهي يا ربي كما خلقتني قفراء زلقا كحياته الطويلة التي اوصلته بعد طول انتظار وصبر الى سراب وجد الحكومة امامه فزادت جفاف الارض جفافا.

الاستاذ صايم الكتوم ابن المخيم وابن الخامسة والخمسين من العمر، وصاحب نظرية البقاء للاصلح، ومدرس الفلسفة في مدرسة الثانوية بدأ بعد هذا العمر يشك في نظريته ، فقد شعر في الاونة الاخيرة بأنه يكاد ينقرض من الفقر .. كبر الاولاد .. منهم من دخل الجامعة ومنهم من يدرس في الثانوية .. وقطاطيم اخرون يفتحون مناقيرهم لجيوب خاوية وعيون حائرة وايد مقيدة .. جاء عبد الله ولم يعرف كيف يُري وجهه لزوجته واولاده واخته التي سحب اليهود تصريح زوجها بسبب عديله زوج الاخت الثانية المعتقل في سجن غزة بلا محاكمة .. كيف يُري وجهه لاولاد اخواته الذين تعوّدوا على ان يبلّ ريقهم بين الحين والحين بعدما جفت يد الشئون الاجتماعية عن الغلابا والمستورين واغرقت غيرهم بالعناقيد!!

- والله حتى لو طبخت لكم حصىً لما وجدت جرّة الغاز التي اكذب بها عليكم يا اولاد ، فقد تقاسم المناضلون الغاز مع اليهود في عملية ثعلب الغاز التي تهدف الى احتواء الجائعين الى الابد.. يا رب .. يا رب ..
- كل هذا وانت تتفلسف بالمقلوب يا ابن الـ ...

لم يدرك الاستاذ صايم وهو يشتم الطالب انه ابن المسؤول الكبير ، فقد اعمته الهموم عن ان يتذكر السيارة ذات الارقام الحمراء التي يهبط منها كل صباح ، لقد اخطأ خطأ كبيرا حتى لو كان يدافع عن نفسه !! ماذا يعني لو ضحك الطالب عليه او على صلعته بكلمتين؟!

ماذا لو اعاد الطالب مقطعا من مسرحية مدرسة المشاغبين ليضحك زملاؤه ؟! ماذا لو استكثر عليك الكلام بسبب اسمك المكتوم؟

الصحيح يا صايم انت ورّطتنا ولا ندري كيف نتعامل مع اهله ، فقد وصلت السيارة ذات الارقام الحمراء .. نزل من السيارة رجل يلبس نظارة سوداء وبدلة فاخرة ودخل غرفة الناظر وهو ينظر يمينا ويسارا : اين الناظر ؟ تفضل .. تفضل .. انزاح المدرسون مرة واحدة ..

ـ لا اريد الجلوس .. اين هذا .. استاذ الفلسفة؟؟

تقدم صايم : نعم انا الاستاذ صايم استاذ الفلسفة

ـ تشرفنا .. ما هي وظيفتك يا استاذ.. تعليم الاولاد باحترام ام سب اهلهم دون ان تفهم من هم اهلهم؟! قال الناظر : ماذا تشرب يا باشا؟!

ـ لا اريد شيئا ، انما جئت لأفهم الاستاذ بأنني قادر الان على تأديبه حتى يعرف مقام الناس جيدا ، تدخل الناظر : لا داعي ، كل شيء يمكن حلّه يا باشا .. نحن ابناء شعب واحد.. واخوة وكل انسان يخطيء .. وخير الخطّائين التوابون .

قال : نحن نستطيع من الصباح ان نحضر له مدرسا خاصا في المادة ولا يحتاج لامثالك .. وسأدفع له في الشهر على الحصّة مثل قبضتك . تحرك الاستاذ صايم : يا سيدي اللّي عنده حنّة بيحنّي ذيل حماره..

ـ ماذا تقصد ؟ اقصد او لا اقصد ، اولا اسأله ماذا فعل في الصف قبل ان تناقشني.

ـ انا جئت لأفهمك كلمتين لا لأناقشك.. فهمت؟؟

همهم الاستاذ صايم: البقاء للاصلع ، تحسس الباشا رأسه وقال: اي اصلع هذا ، وكان ينظر الى رأس الاستاذ!!
ساد الغرفة وجوم كبير وكان الكلام يشتد تصعيدا من طرف واحد وبدا ان الباشا لا ينوي خيرا .. وقد اطرق الاستاذ صايم وهو يتذكر في حياته شيئا يمكنه ان يبكي عليه ، واستجمع قواه وضرب على الطاولة بيده وهو ينظر الى الباشا المختفي خلف النظارة السوداء قائلا: اولا ، هل انت والده.

 

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل