اضواء على اجتماع المجلس المركزي والمشاركة والمقاطعة!!

نهاد الشيخ خليل

العودة إلى صفحة الرسالة


تحاول السلطة الفلسطينية اضفاء طابع بهيج على اجتماعات المجلس المركزي الذي يواصل انعقاده - حتى لحظة كتابة هذا المقال- مستثمرة مشاركة الشيخ احمد ياسين شخصيا. وفي محاولة لاعطاء صورة متكاملة للقاريء ، سألقي بعض الاضواء على ملابسات واجواء هذا الاجتماع وسأسوقها على شكل ملاحظات:ـ

1ـ تقول السلطة انها عقدت اجتماع المجلس المركزي حرصا منها على اشراك جميع القوى والفعاليات في اتخاذ هذا القرار المصيري ، الذي يأتي -كما يرد على السنة المسئولين في السلطة - في سياق تحقيق المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وليس استجابة لتهديدات اسرائيلية او لضغوط خارجية.

لكن يبدو ان هنالك وجها اخر للمسألة يتمثل في ان السلطة وبعد الزيارات التي شملت 45 دولة ، وجدت نفسها بدون نصير يقف معها يوم 4/5/1999 ، بل على العكس فالجميع طالبها بعدم الخروج عن اصول اللعبة التي تم تحديدها عبر الاتفاقيات ، ونصحها بالتوقف عن اعلان الدولة في الموعد المذكور مع التشديد على ضرورة الانتظار الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية.

2ـ في اليوم الذي بدأ فيه المجلس المركزي اجتماعاته ، لكي يتخذ قرارا معروفا ، حيث تم التمهيد له قبل ذلك من خلال التصريحات التي ادلى بها عدد من المسئولين في السلطة ، في هذا اليوم التقى وزير الجيش الاسرائيلي موشيه ارنس مع نظيره الامريكي وليام كوهين لبحث قضايا التعاون الاستراتيجي المشترك بين البلدين في مجال الامن ، واعلن كوهين بعد الاجتماع ان امريكا ملتزمة بأمن اسرائيل لانه احد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط.

اذا فالولايات المتحدة في اشد حالات الغضب من الحكومة الاسرائيلية تبقى ملتزمة بأمن اسرائيل وتواظب على عقد الاجتماعات الدورية في مجال الامن ، لكنها -اي امريكا- في اسعد لحظات الرضى من القيادة الفلسطينية نتيجة لتجاوب السلطة مع "الوساطة" الامريكية في المفاوضات. في هذه الاجواء من العلاقة "الايجابية" بين الطرفين الفلسطيني والامريكي ، تبخل الولايات المتحدة ان تحدد في رسالتها للمجلس المركزي موعدا دقيقا لانهاء المفاوضات النهائية او موعدا يمكن للفلسطينيين ان يعلنوا فيه عن دولة تحظى باعتراف امريكا!!!

3ـ وايضا في ذات اليوم الذي يجتمع فيه المجلس المركزي الفلسطيني لكي يقرر سواء بشكل مباشر او غير مباشر ، التمديد للمرحلة الانتقالية ، في هذا اليوم قام المستوطنون الاسرائيليون بالاستيلاء على ثلاثة بيوت في القدس ، وبهدوء لم يسبق له مثيل في حالات سابقة في مثل هذه الحالات ، بالاضافة الى المحاولات الحكومية المستمرة في الاونة الاخيرة لاغلاق مؤسسات في المدينة المقدسة او مكاتب داخل بيت الشرق.

4ـ بشكل مفاجيء ، شاركت حماس في اجتماع المركزي كمراقب، الامر الذي اثار استغراب المراقبين . وبعد اصدار المهندس ابراهيم غوشة الناطق الرسمي باسم حماس بياناً في عمان يقول فيه ان المشاركة في الاجتماع هي اجتهاد لقيادة حماس في غزة ، اتضح ان القرار لم يكن على مستوى كل حركة حماس . وهذا يدفعنا للتساؤل : ما الذي يدفع قيادة حماس في غزة للمشاركة كمراقب مثل هذا الاجتماع الذي اعتادت ان تقاطع امثاله ؟! يبدو ان السبب في ذلك هو وجود الشيخ احمد ياسين ، وما عرف عنه من روح مبادرة ، فهو يعرف ان الانجازات لا تأتي على طبق من ذهب لمن يجلس في بيته ، كما يعرف ان لكل شيء ثمنا ، وسبق له لحظة الافراج عنه في السجون الاسرائيلية ان قدم وعوداً للجماهير التي استقبلته بحفاوة واستبشرت بخروجه من المعتقل ، بأن يسعى بكل قوته للوحدة الوطنية ، وفي هذا الاطار كرر عبارة اشتهرت علي لسانه >اذا لم يأتني ابو عمار فسأذهب اليه<.

صحيح ان انعقاد المركزي او المجلس الوطني عبر تاريخ م.ت.ف، كان دائما يعقب حوارات وطنية واسعة داخل م.ت.ف، اما هذه المرة فيأتي هكذا بدون مقدمات ، الامر الذي دفع الجبهة الشعبية - ضمن اسباب اخرى- لمقاطعة هذا الاجتماع . لكن يبدو ان الشيخ احمد ياسين يأمل ان يبدأ عملية معكوسة في هذا الوقت ، في محاولة منه ان تكون المشاركة في المركزي مدخلاً لحوار وطني شامل يرتب البيت ، ويهيئ الشعب للتصدي لهجمات الاحتلال التي لم تتوقف . وهذا يبدو جلياً مما صدر عن وفد حماس من بيانات وتصريحات صحفية ، والتي لا تعول على ما سيتخذ من قرارات في المجلس المركزي ، بقدر ما تنادي بالمضامين سابقة الذكر.

5ـ قرر حزب الخلاص الوطني الاسلامي مقاطعة اجتماعات المجلس المركزي ، وذكر الحزب في بيانه اسباباً للمقاطعة لها وجاهتها ، وقد جاء قراره بالمقاطعة بعد اجتماع لمجلس الشورى حيث جرى نقاش ساخن بين الاعضاء اسفر عن تصويت اغلبية الاعضاء ضد المشاركة . وبعد ابلاغ السلطة بصدور هذا القرار وفي وقت الاستراحة بين جلستي المركزي يوم الثلاثاء 26/4/99 اصدرت الشرطة الفلسطينية امراً باغلاق مقر صحيفة الرسالة دون ان تذكر الاسباب ، واكتفت مصادر الشرطة بابلاغ مدير تحرير الصحيفة >انها اوامر عليا< .

والغريب في هذا ان الذي يسعى لاقامة دولة ، والذي يبدي حرصاً كبيراً على اشراك الجميع في اجتماعات المركزي ، من منطلق الحفاظ على المصالح العليا للشعب الفلسطيني ، يقدم في نفس الوقت على اجراء غير قانوني ، ودون ابداء الاسباب ، فيما يبدو انه اجراء عقابي على عدم المشاركة في اجتماع المركزي ، او محاولة لمنع وصول الرأي الآخر للناس من خلال صحيفة الرسالة .

6ـ القرار المتوقع اتخاذه في اجتماع المركزي هو ابقاء جلساته في حالة انعقاد دائم الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية ، ان هذا القرار يعني تمديداً ضمنياً وعملياً في نفس الوقت وللمرحلة الانتقالية ، كما انه يؤكد على حقيقة مؤلمة ، وهي ان كل الحديث عن استقلالية القرار الفلسطيني لا معنى لها ، فالوقائع تقول ان القيادة الفلسطينية وجدت نفسها مجبرة على اتخاذ مثل هذا القرار .

على اي حال ، لازال هنالك متسع من الوقت ، رغم ان الفرص آخذة في التقلص ، لازال متسع من الوقت لاستدراك الخلل وتصحيح الخطأ ، لكن والحق يقال فإن السلطة لا تشجع الآخرين على الاقتراب منها ، رغم انها كثيراً ما تدعوهم للمشاركة في السلطة ، وسبب ذلك ان السلطة تريد دائماً ان تستأثر بالنصف الممتلئ من الكأس وتبقى للآخرين النصف الفارغ .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل