"داعية سلام" يخاطب " اخاه الحمار"!!!

العودة إلى صفحة الرسالة

صلاح النعامي

اذا ذكر اسم يوسيف كلاوزنر فان ذلك يعني الاشارة الى واحد من ابرز اعلام الفكر اليهودي المعاصر ومن يطالع مذكرات قادة الحركة الصهيونية فانه يذهل من اثر نتاج كلاوزنر على هؤلاء ، حتى ان هناك من يرى ان دفيد بن غوريون قد تعامل مع مؤلفات كلاوزنر كما تعامل المتدينون مع " التوراة" و " التلمود" . في العام 7091 نشر كلاوزنر مقالا في احدى الصحف اليهودية الصادرة في المانيا ضمنه عدة نصائح لطلائع المستوطنين اليهود الذين استقروا في الجليل والسهل الساحلي من فلسطين ، واكثر ما شدد هذا ا لمفكر على التحذير منه هو انفتاح التجمعات اليهودية على العرب وانهاء حالة العداء والحرب مع الفلسطينيين والانخراط في الثقافة العربية ، ويسفر كلاوزنر عن نظرة استعلائية عنصرية عندما يقول " بما اننا نحن اليهود قد عشنا الف عام واكثر بين شعوب متحضرة فانه من المستحيل علينا بل من غير المطلوب ان نهبط الى مستوى حضارة شعوب همجية ، فضلا على ان املنا ان نصبح سادة في وقت من الاوقات يقوم على التمييز الحضاري الذي يكفل لنا زيادة نفوذنا رويدا رويدا " ، ولم يكتف كلاوزنر بهذا بل انه اعتبر ان بعث النهضة الثقافية العبرية كبديل عن الثقافات الاوروبية شرط اساسي لاحياء فكرة الامة اليهودية ، ومن المفارقات ذات المغزى ان المرشحين الثلاثة لرئاسة الوزراء في اسرائيل نتنياهو وبراك ومردخاي يكثرون من الاقتباس من اقوال كلاوزنر في عرض تصوراتهم لمستقبل الكيان الصهيوني ، في المقابل فقد انبرى لكلاوزنر مفكر يهودي اخر يدعى اسحاق افشتاين وهو يعتبر " الاب الروحي " لفكرة " معسكر السلام" الاسرائىلي ، وفي محاولته لدحض اقوال كلاوزنر يشير افشتاين الى ان عجز العرب وجهلهم وفقرهم هو ما يضمن الا يؤدي الانفتاح اليهودي عليهم الى ذوبان الشخصية الصهيونية ، يقول افشتاين :" الشعوب العربية مضطرة من اجل مصلحتها الى ادخال اليهود الى اراضيها ، لان العرب بطبعهم عاجزون عن تحسين اوضاعهم بقواهم الذاتية ، وعاجزون عن الخروج من فقرهم وجهلهم اما شعبنا اليهودي فهو القادر على تعويض الفلسطينييين عما هم فيه من قصور " ، هذان المفكران يمثلان المعسكرين الوحيدين في اسرائىل ، فانشتاين يتفق مع كلاوزنر في النظرة الاستعلائية المستهترة بالعرب ، الذكرى السنوية لوفاة افشتاين تحولت الى مناسبة لالتقاء عدد من " مروجي التطبيع " في اسرائيل والعالم العربي ، البرفسور ادير كوهين استاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة العبرية يؤكد ان انطلاق منظري التطبيع داخل اسرائيل من فكرة تقول : " ان العرب هم امة دونية لا يخسر اليهود شيئا اذا انفتحوا عليهم " قد ترك انطباعات عنصرية عن العرب داخل المجتمع الاسرائيلي وفي اذهان مثقفيه ومفكريه وهي التي جعلت هذا ا لكم الهائل من العداء للعرب في النتاج الفكري والادبي العبري . البرفسور ادير كوهين اجرى دراسة مسحية على اكثر من 1000 كتاب من كتب التثقيف والتسلية والاطفال ، وكان عنوان البحث " وجه قبيح في المرآة " !! وقد وصل كوهين الى استنتاج مفاده ان هناك مفاهيم سلبية جدا لدى الاطفال اليهود عن العرب ، وان الطفل اليهودي يعتبر العربي " غريب " في فلسطين وهو مجرد وحش متعطش للدماء اليهودية ، وان العرب لا يفهمون الاّ لغة القوة والحرب ، وطبيعتهم الغدر وسمتهم الخيانة واداتهم الارهاب .. وما يجب التنبيه اليه ان حكومات اليسار الاسرائيلي هي التي رسخت هذه المفاهيم ، وهذا كله ضمن مخطط ثقافي هجومي في مواجهة العرب ، فما دامت اسرائىل غير متخلية عن ثقافة الهجوم والحرب حتى الساعة فان تهافت بعض المثقفين العرب على التطبيع يجعل الاسرائيليين لا يفكرون اطلاقا في التخلي عن الحقوق العربية ، فمن الذي يجبرهم على ذلك مادام مثقفو العرب " يحجون" اليهم على الرغم من العناد الصهيوني ؟! كيف يؤمل على مستقبل " السلام" مع اسرائيل مادام المجتمع الاسرائيلي يظهر ميلا حقيقيا نحو التطرف وخصوصا لدى الشباب ؟ فحسب استطلاع للرأي العام اجرى في اوساط الطلاب اليهود تبين ان 78% من الطلاب ضد الانسحاب من الجولان و 63% ضد اخلاء مستوطنات ، 66% عارض " السلام" بشكل عام ، 77% لم يستبعد طرد العرب ، 65% يتخذ موقفا سلبيا من العرب في اسرائىل ... اطلعت مؤخرا على قصيدة للشاعر اليهودي ميلخ دافتش الذي كان من ابرز " دعاة السلام " الصهاينة ، وهو الذي ينادي بترسيخ "الاخوة " بين العرب واليهود ، وفي قصيدته التي اخذت قالب رسالة يطلب رانوف من " اخيه" العربي ان يعترف له ليس فقط بالحقوق العربية التي استلبها اليهود في الماضي ، بل انه يطالب بصك اعتراف بما سيستولي عليه اليهود في الغد ، ولا ينسى ايضا ان يطلب من " اخيه" العربي ان يبرهن على الولاء له ، واخيرا يطالبه " بحق الاخوة" ان يتحول من اجله الى حمارا ..!!! يقول دافيتش :ـ

حسبنا هذه الدموع .... بين الشقيقات

وكفانا هذا الدم .... بين الاشقاء

اشرف يا اخي على امسي قريب

واعترف لي بحقوق غدي البعيد

واركن اليّ ركون الاخوة

ولا تنظر اليّ بقلب مسموم بزعاف السياسات

كأنه بؤرة افاعي

افتح لي قلبا مترعا بالولاء

اخي كن لي حمارا

ولا تصدك الاثقال .

**** زعماء يبحثون عن الفكر وآخرون عن "الدجاج المشوي" !!

في تعليقه على سيرة الرئيس الايراني الدكتور محمد خاتمي يسهب المستشرق البريطاني فريد هاليدي كثيراً في الاطراء على هذا الزعيم الفذ ، على الرغم من ان هاليدي هذا كان قد فضح الكثيرين من قادة الانظمة العربية عبر سلسلة من المقالات نشرها في الصحف البريطانية مستعيناً في ذلك بتجربته الدبلوماسية كسفير لبلاده في عدد من الدول العربية ولم تمنعه علاقاته الوطيدة مع عدد من هؤلاء القادة من "نشر غسيلهم الوسخ" .

اكثر ما شد هاليدي الى شخصية الرئيس الايراني هو اقباله على العلم وخوضه في دراسة الفكر السياسي الغربي وتعمقه في دراسة التراث الفلسفي لاوروبا واتقانه للغات الالمانية والانجليزية والفرنسية ، حتى انه نشر مقالات بالالمانية ، وهو مؤلف كتاب "الخوف من الموجة" الذي يرفض فيه الدوغمائية والنظر للامور من خلال منظار اسود او ابيض ، كما انه مؤلف كتاب "من العالم المدينة الى المدينة العالم " وهو دراسة للفكر السياسي الغربي من افلاطون الى الليبرالية المعاصرة ، واذا تركنا هاليدي ، فإن خاتمي قد بنى نظرته في الحكم على اساس ان اي حضارة تحتاج الى التجاوب مع متطلبات عصرها، لذا لم يتردد في الدعوة للحوار بين الحضارات ، وبدل الدعوة الى نبذ كل ما هو غير اسلامي فإن خاتمي يدعو الى معرفة الآخر من اجل الاثراء الفكري المتبادل ، ومع ذلك فإن كتابات خاتمي تحمل انتقادات شديدة للغرب ، دون تقوقع او ديماجوجية ، ومع انه قد امضى اكثر من عقدين من الزمان متنقلاً بين مكتبات برلين ولندن وباريس محاولاً التعرف على الغرب الا ان ذلك لم يفقده اعتزازه بتراثه ولم تغره الاضواء لتقديم التنازل حتى في امور قد يراها غيره لا تسحتق المواجهة والتشدد ... مؤخراً الغى الرئيس خاتمي زيارة لفرنسا لان برنامج الزيارة يتضمن طقوس تتنافى مع الآداب والتعاليم الاسلامية مثل حفل استقبال في وجود نساء سافرات وغير ذلك .. انفتاح خاتمي على الغرب لم يمنعه من التشدد في هذا الامر ، كما ان خاتمي يطلب دوماً من وزرائه الذين يزورون تركيا عدم الذهاب الى ضريح كمال اتاتورك كما يفعل ذلك كل مسؤول اجنبي يصل الى "انقرة" ، وبدلاً من ذلك يطالبهم في خطوة تظاهرية بقطع آلاف الاميال ليزوروا ضريح احد الاولياء المسلمين في الشمال الشرقي من تركيا ، مع ان هذا يغيظ حماة الطابع العلماني هناك .

هذا الرئيس الذي يبحث عن الفلسفة والعلم يقوم بما يشرف مواطنيه ان يروه منه ... كتب المرحوم احمد بهاء الدين الذي كان مستشاراً اعلامياً للرئيس السادات وكان يتولى كتابة خطاباته في مذكراته ان السادات زار في احدى المرات العاصمة النمساوية فينا وقد قدموا له في هذه الزيارة وجبة تتكون من "الدجاج المشوي" ، وكما يقول بهاء الدين ، فقد اعجب السادات بهذه الوجبة ايما اعجاب ، ويشهد بهاء الدين ان السادات قام بعدة جولات للنمسا فقط لتناول وجبة "الدجاج المشوي" !!!

***** صحافي فلسطيني!!

هذا العدد الثاني بعد المائة من اسبوعية "الرسالة" ، وكأحد الذين واكبوا مولد هذه الصحيفة منذ البدء فإنني لا ابالغ اذا اخبرتك -عزيزي القاريء- انه ما ان يصدر عدد من هذه الصحيفة حتى اضع يدي على قلبي .. هل سيصدر العدد القادم ام لا؟ ، فمن خلال التجربة الصغيرة في اسبوعية "الوطن" و "الرسالة" فإننا لا نستغرب نحن العاملين في "الرسالة" ان نبكر الى عملنا فنفاجأ ان المكتب قد اغلق بـ "الشمع الاحمر" ... في بيتي يسيطر هاجس عدم الاستقرار على "ام العيال" ولطالما خاضت معي جدالات كثيرة ومتواصلة تؤنبني فيها ، وتحثني على البحث عن فرصة عمل اخرى تكون اكثر استقرارا ، وذلك رفقا ببناتنا وتأمينا لمستقبلهن ، لزوجتي كل الحق في القلق على تأمين هذا الجانب الذي يهم الناس عادة ، لكن في المقابل يفترض في الصحافي كمثقف صاحب رسالة ، ان يقدم تضحيات في سبيل رسالته...

لكن لماذا يرتبط العمل في مجال الكتابة والصحافة بالشعور بعدم الاستقرار والخوف من نوائب المستقبل؟ ، ولماذا يضطر الكاتب عندنا الى "وزن " كل كلمة يخطها على ورقته حتى كأنه يشق طريقه وسط حقل الغام؟..

لماذا يهيمن علينا نحن العاملين في هذا المجال هاجس الرقابة الذاتية مع انه لو سمح لنا بالعمل وفق قانون "المطبوعات والنشر" الذي تم اقراره في بلادنا لكفانا وزاد؟ ... لماذا تهتز الحلبة السياسية والعسكرية في اسرائيل عندما ينشر احد الصحافيين سبقا صحفيا او مقالا ناقدا.. بينما انا عليّ ان افكر قبل ان اخط اي كلمة بالمصير الذي ينتظر امي وبناتي اذا ما القيت في غياهب السجون؟ …
ان المرء لا يستطيع الا ان ينظر بفائق الاكبار الى العلاقة السائدة بين الصحافة والحكومة في اسرائيل، فكم حكومات سقطت اثر نشر تحقيق صحفي وكم ساسة اسرائيليين انتهت حياتهم العامة بسبب خبر او مقال نشر هنا او هناك، فقد كان تحقيق صحفي نشره الصحفي دان مرغليت في "هآرتس" العام 1976 هو السبب وراء سقوط حكومة اسحاق رابين بعد ان كشف النقاب عن ان لزوجة رابين حسابا في احد البنوك الامريكية بدون علم مراقبة الدولة!!..

كما ان اثارة ملف الفساد، الذي اطاح بأرييه درعي الذي يعتبر واحدا من ابرز الساسة الاسرائيليين، كانت نتاج عمل قام به الصحفي امير غيلات في "يديعوت احرونوت" .. الى ذلك فإن اثنين من الوزراء وسبعة من كبار الموظفين في مؤسسات الدولة اقدموا على الانتحار بعد ان نشرت الصحف الاسرائيلية تحقيقات كشفت فيها عن تورط هؤلاء المسئولين في اعمال الفساد ..

انه لأمر مستغرب ان تستقصي عما يدور بيننا من خلال الاطلاع على وسائل الاعلام الاسرائيلية ، فالصحافي الاسرائيلي يسمح له بدخول مؤسسات فلسطينية يحظر على الصحافيين الفلسطينيين دخولها، بل ان هناك عددا من كبار المسئولين الفلسطينيين الذين يتعاملون بكل ما اوتوا من عجرفة مع الصحافيين الفلسطينيين الذين يتوجهون اليهم بالاستفسار حتى ان منهم من تعرض للاعتداء ، في حين ان نفس المسئولين الكبار لا يترددون في الاستيقاظ المبكر للرد على اسئلة راديو "اسرائيل " باللغة العربية ..

لقد قتلت الدافعية المهنية لدى الصحافي الفلسطيني حتى ان الصحف الفلسطينية تقيم الصحافيين العاملين لديها حسب عدد الاعلانات التي يجلبها للنشر في صحيفته.....فعن اي صحافة فلسطينية يتحدثون؟؟؟!!!

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل