لافتــــــــــــــات

محسن الافرنجي

العودة إلى صفحة الرسالة

ازمة يا وطن الازمات..!!

ما ان تسدل ازمة انقطاع التيار الكهربائي ستارها على جنح الظلام حتى يلجأ المواطن "المتأزم اصلا" الى الموقد فلا يجد الغاز ، وما ان يهرب المسكين من ازمة تسديد فواتير شركة الكهرباء حتى تطارده فواتير المياه وتفصيلاتها الملوثة تتبعها مستحقات شركة الاتصالات ، فيمضي مسرعا نحو نهاية الشهر لاستلام راتبه فتطارده ازمة قانون الخدمة المدنية الذي يتلاعبون فيه باعصاب الموظفين فيما تدني الرواتب مقابل ارتفاع جنوني ومستمر لجدول غلاء المعيشة ثم ازمة الاغذية الفاسدة فالاموال المهربة والنقل والمواصلات وازمة وازمة وازمة...

ازمة تعقبها ازمات واضراب ينتهي ليبدأ اخر، واحتجاج واستنكار يسفر عن تشكيل لجان لاضاعة الحقوق وتطبيق القانون على الضعفاء ، واصوات المستغيثين المتأزمين تصرخ ليل نهار من قلب شوارع الوطن وازقته وسجونه المظلمة واروقة مجلسه التشريعي "الصوري" فلا يستجاب لها...

الازمة الحقيقية بدأت عندما فقد المواطن الثقة في كل شيء من حوله حتى وجد نفسه الرقم الخاسر والوقود المستهلك لغيره.. وهو يرى الفساد يستشري ولا احد يحاسب، والقانون يُخترق ليل نهار ولا يطبق الا على "الغلابة" ، والسياسيون يكذبون جهارا نهارا، والاحزاب ما انفكت شعاراتها تعلو بعيدا عن الواقع ، والمؤسسات الخاصة كأنها تبني وطنا اخر وينفذ بعضها سياسات من يدفع لها، والاحتكارات ماضية بلا هوادة واحدث السيارات والموديلات تخترق الشوارع تاركة المواطن في حيرة : كيف يحصلون عليها في فترة وجيزة ؟ ويقلب المسكين صفحات الجرائد فيسمع عن انجازات ولا يراها ويقرأ ارقاما وتبرعات لا تعد ولا تحصى ويشاهد مؤسسات واسماء ترتعد لها فرائصه حتى يصاب في النهاية بأزمة صحية ويتردد في الذهاب الى الطبيب لان ذلك سيكلفه الكثير ومعظمهم حول المهنة الانسانية الى مهنة تجارية فيبقى في منزله حتى يلقى الله على ازماته وهو يعلم ان موته بعد ذلك سيسبب ازمة لاهله طبعا مادية ومعنوية ويستمر مسلسل الازمات بلا انقطاع ..

قضايا الهم اليومي التي يغرق المواطن فيها ادت الى عدم اكتراث المواطن بما يجري حوله واصابته بحالة لا مبالاة خطيرة تمنعه من المشاركة في اي نشاط او فعالية وطنية وهو الذي كان بالامس يقدم روحه رخيصة من اجل وطنه ، وهذه الازمة الحقيقية لم تستوعبها بعد السلطة ولا مؤسساتها ولا اجهزتها ولا الاحزاب والقوى الفلسطينية .. والكل يراهن على هذا المواطن ويطلب منه ان يقدم ويضحي وهم يدركون ظروفه وحياته وازماته ومرارته ومعالم الحزن البادية على وجهه والتي عبر عنها الفنان السوري دريد لحام بقوله "رغيف الخبز... اهم من الوحدة العربية".

الازمة تحاصرنا من كل جانب وفي كافة شؤوننا حتى في مبادئنا واخلاق شعبنا وعاداته وتقاليده وقيمه .. ازمة سياسية اجتماعية اقتصادية تربوية ثقافية امنية مبنية جميعها على ازمة ثقة عميقة بين المواطن والسلطة والمسؤول والحزب والمؤسسة والهيئة ويشارك في صنعها الجميع لانها ليست وليدة الصدفة بل مفتعلة في معظمها لتهميش دور المواطن واقصائه عما يجري واغراقه في بحر من الهموم والازمات المتلاحقة.

اعيدوا للمواطن ثقته بنفسه وبأهمية دوره وبمن حوله قبل ان تخسروه وتبحثوا عنه فلا تجدوه الا جسدا ضعيفة وروحا منهزمة ، اعطوه حقه قبل ان تطلبوا منه حقوقكم وحقوق الوطن ، لا تدعوا اليأس القاتل يسيطر عليه والوهن يعبث به والظلم يحطمه لان من لا يجد العيش الكريم لن يقف ليتحدى ويناضل ويثور وسيسأل نفسه حينها: لصالح من ؟ ومن سيجني في النهاية؟!

الامر جدّ خطير ويستدعي انشاء وزارة للازمات ولكن ليس على شاكلة الوزارات القائمة :ـ

نموت كي يحيا الوطن

كيف يموت ميت؟

وكيف يحيا ما اندفن؟!

ان لم يكن بنا كريما امنا

ولم يكن محترما .. ولم يكن حرّا

فلا عشنا .. ولا عاش الوطن!

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل