يعاملون العرب كعشيقة يجوز التمتع بها دون زواج

 

العودة إلى صفحة الرسالة


"يعاملون العرب كعشيقة يجوز التمتع بها دون زواج"

براك يريد ان يدفع العرب فاتورة انتخابه

كتب صالح النعامي

الكاتب والمفكر الاسرائيلي ميخال كابرا يوضح حقيقة الدلالات التي بات يجسدها مصطلح "اليسار" ، بالنسبة لمعظم الاسرائيليين ، وهو يؤكد ان كلمة "يسار" تحولت الى شتيمة خلال الخمسين عاما الاولى من عمر الدولة اليهودية التي اقيمت بجهود اليساريين الاشتراكيين ، و تنقلب الامور فاذا بهذه الدولة تقدس "اليمين الوطني" على الرغم من حمله بذور الفاشية بشكل واضح.

ايهود باراك مرشح حزب العمل لرئاسة الوزراء ادرك هذا الواقع وهو يعلم انه اذا اكتفى بتأييد جمهور اليسار التقليدي والمواطنين العرب فإن فرص نجاحه تؤول الى الصفر ، ولذا فإن جهوده تنصب على محاولة استقطاب تأييد قطاعات من الجمهور الاسرائيلي تتواجد في الوسط وعلى يمين الوسط ، لكن هذه المهمة ستكون مستحيلة بدون تخلص براك وحزبه من الطابع "اليساري" الذي ارتبط به سواء على صعيد المواقف من القضايا السياسية او الاجتماعية التي تعتمل في الساحة الاسرائيلية، وكما هو واضح حتى الان فإن استراتيجية براك للفوز في الانتخابات تقوم على محاولة اقتحام الهامش الذي يناور فيه نتنياهو عبر تسويق مواقفه بغلاف من التشدد السياسي والامني، وهو يحاول اقناع الجمهور الاسرائيلي بعدم وجود خلافات جوهرية بين حزب العمل والليكود فيما يتعلق بقضايا الحل الدائم مع الفلسطينيين ، ويوضح قائلا "ان المرء يحتاج الى ميكروسكوب لكي يحدد الاختلافات في المواقف بين الحزبين بعد ان اعلن الليكود من ناحية مبدئية استعداده لتطبيق اتفاقيات اوسلو"، ويتعمد براك ابقاء موقفه غامضا من الدولة الفلسطينية بالرغم من ان برنامج حزب العمل السياسي لم يعد يعارض الاعلان عن مثل هذه الدولة ، ومع ان عوزي برعام احد قادة حزب العمل يعتقد ان الدولة الفلسطينية كما يراها حزبه لن تتجاوز كونها كانتونات تفتقد التواصل الاقليمي ، حتى ان براك لم يتردد في الحديث عن "الخيار الاردني" والكونفدرالية مع المملكة الهاشمية ، حاييم رامون احد رموز الحزب اكد اثناء لقاء جمع بين برلمانيين عرب واسرائيليين في اثينا العام الماضي ان الدولة الفلسطينية قائمة بالفعل في الاردن!، وهذا الموقف قد تخلى عنه حتى وزير خارجية اسرائيل المتطرف ارئيل شارون. وان كان باراك يهاجم بعض غلاة المتطرفين من المستوطنين الا انه يؤكد ان بقاء المستوطنات اليهودية لن يتأثر في اي تسوية مقبلة.

ومحاكاة لنتنياهو فإن براك يبدي تعاطفا مع المستوطنين وانشطتهم، ففي مقابلة اجرتها معه صحيفة "هآرتس" يتحدث براك عن تعلقه الشديد بجبال الخليل ونابلس، ولا يخفي براك اعجابه بالمستوطنين ، ويقول عنهم "انهم يواصلون بناء المشروع الصهيوني " ، ويكشف النقاب عن ان اقرب الناس الى قلبه هو الحاخام يوئيل بن نون احد قادة المستوطنين في الضفة الغربية ، وتستفز هذه العبارة بشكل خاص الكاتب اليساري "يحيعام فايتس" الذي يرد على براك في "معاريف" قائلا "ان زعيم المعارضة يحابي اناسا لا يضمرون أي احترام للديمقراطية ويستخفون بالقضاء" ، ولإضفاء طابع "صقري" على قائمة حزب العمل التي ستخوض الانتخابات فإن براك يحاول ضم حركة "ميماد" وهي حركة صهيونية دينية جمهورها من المستوطنين ، ومن اجل التخلص من "لعنة" اليسار فقد قرر براك عدم خوض الانتخابات تحت اسم حزب العمل، بل اطلق على قائمته "اسرائيل واحدة" . وللتخلص من الطابع "الحمائمي" فإن براك يجري اتصالات لضم "دفيد ليفي" احد مؤسسي حزب الليكود الى قائمته، كما انه ضم الجنرال المتقاعد "ماتان فلنائي" مع انه يحمل افكارا متطرفة سواء على صعيد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية اوسوريا ، ويبرر براك ومساعدوه دعوتهم لمواصلة العملية التفاوضية مع الاطراف العربية من خلال ابراز الثمار التي تجنيها اسرائيل جراء تواصل هذه العملية، ويوضح "افرايم سنيه" عضو الكنيست عن حزب العمل ذلك عندما صرح قائلا "لقد استثمرنا في الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية خلال عهد حكومة رابين/ بيرس ضعف ما قام به الليكود وبدون ان يحرك العالم ساكنا وذلك لأن العملية التفاوضية كانت على قدم وساق".

وبالاضافة الى مواقفه السياسية، فإن براك يريد بلورة انطباع عن نفسه كقائد "كريزماتي" ، وفي سبيل ذلك يكثر الحديث عن "سجله الضخم من الانجازات العسكرية منذ ان كان جنديا وحتى اصبح رئيسا لاركان الجيش الاسرائيلي وغالبا ما يشير براك الى قيامه شخصيا بتصفية القيادات الفلسطينية عندما كان قائدا لوحدة "سييرت متكال" افضل الوحدات الخاصة في الجيش الاسرائيلي ، ويعيد براك الى الاذهان انه كان قد وصف اتفاقية اوسلوبأنها "مليئة بالثقوب كالجبنة السويسرية" وذلك عندما كان قائداً للجيش مشدداً على توخي اقصى درجات الحذر في التعامل مع هذه الاتفاقيات .

جملة هذه المواقف جعلت جدعون ليفي احد منظري مدرسة "ما بعد الصهيونية" يصب جام غضبه على براك وحزبه ويقول "اشك انه تبلور معسكر حقيقي للسلام في اسرائيل ، براك غير جدير بزعامة معسكر للسلام ، فمنذ ان خلع زيه العسكري لم نسمع منه تصريحاً واحداً يؤهله لذلك" (هآرتس 13/1/1999) ، وقد سبقه الصحافي شالوم يروشالمي الى نفس الاستنتاج ، اذ يقول "ان ازمة التسوية في الشرق الاوسط تنبع من حقيقة عدم وجود شخص واحد سواء في الليكود او حزب العمل يؤمن او يملك ارادة حقيقية في السلام مع العرب والفلسطينيين" (معاريف 6/4/1998) .

ويسخر الكاتب والمفكر الاسرائيلي ميرون بنفنستي من دعوة براك للعرب بتأييده في الانتخابات مع كل ما يحمل من آراء قائلاً "انهم يعاملون العرب كعشيقة يجوز التمتع بها دون الاعلان عن ذلك" .

من ناحية موضوعية لا امل لايهود براك في الفوز بدون ابراز مثل هذه المواقف ولعل هذا السبب الذي جعل "حمائم" حزب العمل تغض الطرف عنها ، حتى ان حركة "ميرتس"التي تمثل اقصى اليسار الاسرائيلي الصهيوني تعلن بدون تحفظ تأييدها لبراك وتتفهم قيادة هذه الحركة محاولات براك التوجه لجمهور الوسط واليمين الاسرائيلي .

المهم انه على الرغم من كل هذه المواقف والى جانب السيرة الذاتية لايهود براك الذي وصف في يوم من الايام بأنه كان "افضل جندي خدم في الجيش الاسرائيلي " ، فإن فرصته في الفوز تبدو صعبة للغاية ، ولعل هذا الاستنتاج تعكسه هذه المفارقة ، فبراك قد شرع منذ بداية الحملة الانتخابية في التركيز على مساوئ سياسة نتنياهو التي ادت الى زيادة معدلات البطالة و"الفقر"وتراجع معدل الدخل القومي للفرد، وتراجع مستوى الخدمات المقدمة لاولئك الذين يقطنون في مناطق الضائقة الاقتصادية، الا ان استطلاعات الرأي العام تؤكد ان التأييد لنتنياهو قد زاد بالذات لدى الطبقات الاجتماعية التي تعيش الضائقة الاقتصادية .

وحتى ولو فاز براك فإن الشيء المؤكد ان احزاب اليمين ويمين الوسط والاحزاب الدينية ستحصل على الاغلبية في البرلمان وعندها لن يستطيع براك تشكيل حكومة بدون الاعتماد على بعضها ولذا فهو يحاول ان تكون الخطوط العامة لبرنامجه الانتخابي غير متعارض مع احزاب الوسط ويمين الوسط ،او ما يسميه هو بـ "قواسم الاجماع الوطني " .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل