بين الدول المانحة والسلطة : علاقة الشك والإتهام الخفي والضغط السياسي

 

العودة إلى صفحة الرسالة


حتى الآن ربما تكون العلاقة بين السلطة الفلسطينية والدول المانحة يشوبها الشك والريبة وعدم الاطمئنان ، رغم ان الاموال من قبل الاتحاد الاوربي ودول اخرى تتدفق على السلطة الفلسطينية بشكل مستمر وغير منقطع ، المتابع لما ينشر في الصحف اليومية يقرأ كل اسبوع او شهر خبراً يقول دولة كذا تتبرع بمبلغ(...) مليون دولار ، كما ان مجموع الاموال التي تصرف للسلطة من قبل الدول المانحة توضح ان هذه الدول مستمرة في اعطاء هذه الاموال من اجل "العملية السلمية" كما يقول وزير خارجية النرويج نوت فولبايك . غير ان التقارير والتصريحات الكثيرة والمتنوعة تحدثت عن وجود فساد في اجهزة ومؤسسات السلطة ، واستغلال المال العام لمآرب شخصية ، وعدم بروز تقدم في الاوضاع الاقتصادية الفلسطينية ، بل يبدو ان هناك تراجعاً حقيقياً في مستوى دخل الفرد والدخل القومي اضافة الى ارتفاع نسبة البطالة . وهذه الظواهر دفعت الدول المانحة مرات عديدة "لاعادة حساباتها" حول المعونات المقدمة لمناطق السلطة .

ويبدو ان اول دلالات عدم الثقة من قبل الدول المانحة بالسلطة الفلسطينية انها لم تشأ ان تحول الاموال اليها مباشرة بل فضلت ان يتم تحويلها الى البنك الدولي الذي يقوم بالتنسيق مع مؤسسات فلسطينية معينة يتم العمل من خلالها، لهذا تجد ان الاموال تكون على صورة مشاريع ترمى الى مساعدة الفلسطينيين وتحسين بنيتهم التحتية مثل ادارة المياه والمجاري والمشافي ومشاريع الاسكان والطرق المدارس .

واوضح الاتحاد الاوروبي هذا الاسبوع على لسان ممثله في الاراضي المحتلة تيري بيشيه ان الاتحاد متمسك بمنح مساعداته "مباشرة الى الذين يعتبر انهم يجب ان يستفيدوا منها" واعتبر بيشيه ان ذلك "يقلل من احتمال حصول اي اختلاس" . واضاف بيشيه بأن الاموال تمنح مباشرة الى السلطة الفلسطينية الا لدى وجود دعم مباشر للموازنة الفلسطينية مضيفاً ان المفوضية الاوروبية لم تساهم مباشرة في دعم الموازنة الفلسطينية منذ العام 1996 ولا تعتزم القيام بذلك خلال عام 1999 .

ويقول خبراء اقتصاديون ان الاتحاد الاوروبي على وجه الخصوص يدرك جيداً ان الاوضاع المالية للسلطة ربما تخضع للضبط بسبب الاوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة فضلاً عن ان السلطة ناشئة يمكن ان تستغل الاموال بطريقة غير مدروسة .

** اموال مرتبطة بعملية سياسية

ليس من احد يشك بأن اموال الدول المانحة قدمت وتقدم من اجل تعزيز المسار السياسي الذي تتبعه السلطة والمرتكز على الاتفاقات المعقودة مع اسرائيل ، بغض النظر عن الوضع البائس الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني ، لهذا فإن القلق يساور الطرف الفلسطيني حينما يرى ان الوعود بتقديم اموال مشروطة بالتزام الفلسطينيين بقائمة من المطالب والشروط الاسرائيلية او حتى من الدول المانحة والتي تأخذ في غالب الاحيان "صبغة سياسية بحتة" .

وليس ادل على ذلك من موقف الكونغرس الامريكي الذي كان يشترط في كل معونة تقدم للفلسطينيين التزام السلطة بالشروط الاسرائيلية وعدم خروجها عن الخط العام للمسار السياسي .

"انني قلق من تهرب السلطة الفلسطينية من ابلاغ الاتحاد الاوروبي بطرق صرف وتوزيع الاموال التي تتلقاها من الدول الاوروبية" هكذا صرح ممثل الاتحاد الاوربي لمنطقة الشرق الاوسط مانويل مارين وذلك في معرض تعليقه على التقرير الذي نشرته صحيفة "هآرتس" هذا الاسبوع وورد فيه ان الاتحاد الاوروبي وجه تحذيراً الى السلطة الفلسطينية من ان دول الاتحاد قد تجمد اعاناتها المالية للسلطة الفلسطينية ان لم تقدم ايضاحات حول اختفاء مبالغ مساعدات حولها الاتحاد خلال العامين الماضيين لمناطق السلطة .

واشارت "هآرتس" الى ان التحذير جاء في اعقاب شكوك وشبهات تساور مسؤولي الاتحاد الاوروبي حول اختلاسات تمت لاموال المساعدات الاوروبية قام بها مسؤولون في السلطة . ورغم ان ممثل الاتحاد الاوروبي في الاراضي المحتلة تيري بيشيه قد اعلن انه "لا علم له بأموال قد اختفت خلال السنتين الماضيتين" الا انه قال : "لم نخف قلقنا تجاه الشفافية او الفساد المزعوم او المحاباة في السلطة الوطنية" ، واشار الى ان مصدر القلق هو ان المواطنين الاوروبيين كدافعي ضرائب وممولين حقيقيين لجهود الاتحاد يملكون كل الحق في معرفة الكيفية التي تنفق فيها اموالهم" .

يذكر ان الاتحاد الاوروبي قدم نحو 916 مليون شيكل للسلطة الفلسطينية خلال السنوات الثلاث الماضية ، بينما يعتبر مجموع الالتزامات نحو 5.1 مليار شيكل ، وذكرت "هآرتس" ان معظم الاموال نقلت مباشرة الى السلطة تحت بنود غامضة مثل مساعدات للحكومة الفلسطينية ومساعدات للمساعدة في دعم الديمقراطية في مناطق السلطة .

من جهتها دافعت السلطة الفلسطينية عن موقفها نافية كل الاتهامات التي وجهت اليها من قبل الاتحاد ، وجاء دفاع السلطة بعد احساسها "بخطورة" الاتهامات حتى ان وزير التخطيط والتعاون الدولي نبيل شعت اعرب عن اسفه للتصريحات التي صدرت عن مانويل قائلاً انها "صدرت تحت ضغوط هائلة من قبل البرلمان الاوروبي" . واشار شعث الى ان الاتحاد الاوروبي لا يعطي السلطة اموالاً سائلة وانما يدفع امواله في مشروعات يقوم البنك الدولي بالاشراف عليها مباشرة ، واكد شعث ان الاتحاد الاوروبي يتلقى كل ثلاثة اشهر تقريراً من حوالي 30 صفحة تعطي تفصيلاً لكل مليم انفقته هذه الدول على مشروعات في فلسطين فليس هناك معلومات غامضة !

وفي وقت سابق حاولت السلطة الفلسطينية ان تثبت للدول المانحة بأن اموال الدعم تستثمر بشكل صحيح ، وذلك بعد ان نشر تقرير هيئة الرقابة معلومات مفصلة حول الفساد المستشري في اجهزة ومؤسسات السلطة فقد ابلغت السلطة مسؤولين في الدول المانحة في العام 79 ان تقرير هيئة الرقابة لا يتحدث عن فساد في السلطة وانما يقدم اقتراحات لتعليل المصروفات الجارية في المؤسسات الفلسطينية!!

وكانت الدول المانحة قد اصابها القلق الشديد بعد نشر تقرير هيئة الرقابة وامتنعت خلال عقد مؤتمرها في واشنطن عام 97 التعهد بأية التزامات جديدة للسلطة ، وحاول الوزير شعث ان يوضح لمسؤولي الدول المانحة بأن التقرير يتحدث عن "اخطاء" وليس عن فساد ، ولم يرد المسؤولون الاوروبيون سوى بقولهم انهم يعدون بنقل ما سمعوه الى مسؤوليهم.

يذكر ان السلطة الفلسطينية قد اشتكت مرات عديدة من عدم ايفاء الدول المانحة بالتزاماتها وان هذا يسبب اشكالات مضاعفة في نمو الاقتصاد الفلسطيني ، فقد اكد وكيل وزارة المالية عاطف علاونة في مرات عديدة ان هناك تراجعا واضحا لدى الدول المانحة في دفع التزاماتها. غير ان الدول المانحة تعتقد بأنه من الضروري ان تهتم السلطة الفلسطينية بتنمية القطاعات الخاصة لانها -اي الجهات المانحة - ترغب في رؤية ضوء في نهاية النفق (اي نفق عملية المساعدة) بحيث يتمكن الفلسطينيون في اخر المطاف من التخلص من اعتمادهم على المساعدات الخارجية "الطريق المفتوح امام هذا هو تقوية القطاع الخاص".

وقد اعرب البنك الدولي في مرات عديدة عن خيبة امله من دور القطاع الخاص والذي كان متوقعا منه القيام بجهد جبار في تنمية الاقتصاد الفلسطيني، الا ان هروب المستثمرين او عدم قناعتهم بالاستثمار في الاراضي الفلسطينية بسبب حالات الفوضى وعدم الانضباط فضلا عن المضايقات الاسرائيلية المستمرة جعل ثقة البنك الدولي بأنه يمكن تطوير القطاع الخاص ضربا من الوهم.

وذكر مسؤول في البنك الدولي في نهاية العام الماضي ان الجهود التي تبذلها الجهات المانحة حاسمة الاهمية للتنمية لكن الذي يثير القلق لدى البنك هو سرعة نمو وظائف القطاع العام والجزء الكبير من الموازنة الفلسطينية المتكررة الذي يذهب في سبيل دفع الرواتب والعلاوات ، ويشير مسؤولو البنك الدولي الى انه بالرغم من ان بعض المشاريع تم تنفيذها بنجاح لكن هناك عراقيل كثيرة خصوصا عدم وضوح مسؤليات نقل الوزارات والوكالات الحكومية المشاركة في تنفيذ المشاريع وتحتاج السلطة الفلسطينية من وجهة نظر البنك الدولي الى تطوير اداري مالي اكثر عمقا والى تحسين طاقتها التخطيطية والتمويلية.

**ارقام ومعطيات

ـ  بعد توقيع اتفاق اوسلو عام 39 تعهدت الدول المانحة للسنوات 94-96 بمبلغ 2.3 مليار دولار

ـ خلال العام 1994 تعهدت الدول المانحة بمبلغ 802 مليون دولار وصرفت 524 مليون دولار

ـ خلال العام 1995 تعهدت بمبلغ 636 مليونا وصرفت 428 مليون دولار

ـ خلال العام 1996 تعهدت بمبلغ 894 مليون دولار وصرفت 537 مليون دولار

ـ خلال العام 1997 تعهدت بمبلغ 880 مليون دولار وصرفت 334.5 مليون دولار

ـ خلال مؤتمر الدول المانحة في واشنطن تعهدت بمبلغ ثلاثة مليارات و 800 مليون دولار خلال الخمس سنوات المقبلة فيما اعلنت وزيرة الخارجية الامريكية اولبرايت ان الاسرة الدولية وعدت الفلسطينيين بمساعدة تزيد على ثلاثة مليارات دولار بحلول العام 2003.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة