كيف نبني الجسر

نهاد الشيخ خليل

العودة إلى صفحة الرسالة


اذا سألت اي فلسطيني في الضفة والقطاع ، على اختلاف الدين والمذهب واللون السياسي والمنطقة الجغرافية ، ماذا تريد ؟ فستسمع اجوبة متشابهة .

صحيح ان هنالك اختلافات خاصة في الموضوع السياسي حيث يوجد من يؤمن بالتفاوض كوسيلة لاقامة الدولة الفلسطينية ، ويوجد من يصر على استمرار المقاومة ضد الاحتلال ، اضافة الى الذين يعتبرون ان مقاومة الاحتلال هي حق للشعب الفلسطيني لكن يمكن تجميد ممارسته في هذا الوقت نظراً لعدم مواءمة الظروف .

اما على الصعيد الداخلي -ورغم وجود الاختلاف بين اسلامي وعلماني- فإن الاجوبة متشابهة وتكاد تكون موحدة في هذه المرحلة ، الجميع يشكو من ذات الهموم ، وينادي بنفس المطالب : اطلاق الحريات وفصل السلطات واستقلال القضاء ووقف الاعتقالات ومحاربة الفساد ، وتحسين الاوضاع الاقتصادية ورفع مستوى الخدمات . اجابات موحدة نسمعها صريحة على مستوى الهمس في وسائل النقل والبيوت ودواوين العائلات ، ونقرأها في البيانات والتصريحات الصحفية للفصائل والقوى والشخصيات العامة بمستوى اقل من الصراحة والوضوح .

لكن ورغم وحدة التطلعات والآمال لهذا القطاع الواسع والعريض من الناس ، فإن احداً لا يستطيع ان يتقدم خطوة نحو تحقيقها ، بل ان الملاحظ هو اننا نبتعد اكثر فأكثر ، وعندما تتناول اي مجموعة من الناس نقاش الواقع ، فإنهم يسهبون في الوصف والشكوى وابداء التذمر وعدم الرضى مما يجري ، لكن لحظة الوصول الى البحث عن مخرج ، ومواجهة السؤال كيف نقضي على الفساد ، وكيف نحقق العدل وتطلق الحريات ونحسن الاوضاع ؟ كيف نبني الجسر الذي يمكن ان نعبر بواسطته لتحقيق اهدافنا ؟ عند هذه اللحظة يسود الصمت والكل يقول لا ادري .

لو كان هذا الجسر من باطون ، فبناؤه سهل والمهندسون في بلادنا كثر . لكنه جسر من فكر وصبر ومدافعه . واقول اننا بحاجة الى جسر لان حالتنا هي مشابهة لمن يقف على احد شاطئي نهر ويعاني من مخاطر متعددة ، ويدرك ان الامن والامان على الشاطئ الآخر لكنه يخشى العوم لانه قد يتعرض في مياه النهر لاخطار اشد فقد يحدث طوفان في اية لحظة يقضي عليه ، وبالتالي لن ينفعه مركب ولا سباحة ، انه بحاجة الى جسر .

وكذلك لان الجسر لا يبنى جزافاً ، وانما يقام على اساس حسابات وتوازنات علمية دقيقة ، وتقدير صحيح للاحمال والاثقال وحامليها ، اضافة الى ان الجسر لا يبنى الا بعد فحص الارض التي سيقف عليها وتحديد مدى قدرتها على الاحتمال ، وهكذا يجب ان نبني الجسر الذي نعبر بواسطته الى اهدافنا النبيلة التي نكاد نجمع عليها . يجب ان نبنيه بحيث يكون قادراً على حملنا وتوفير الامان لنا ونحن على ظهره ، مع مراعاة ان تكون الارضية التي يقف عليها هذا الجسر قادرة على حمله وحملنا معاً ، خاصةً واننا جميعاً نريد لهذا العبور نحو اهدافنا ان يكون بطريقة سلمية دون كوارث في منتصف الطريق .

بعد ان اقتربنا قليلاً من طبيعة الجسر الذي نريد ، نعود مرةً اخرى للسؤال كيف نبنيه ؟ بصراحة اقول : لم اعثر فيما قرأت واستمعت على اجابة شافية . لكن وفي محاولة للاقتراب اكثر نجد انفسنا امام طريقين ، اولهما وهو الاسهل يتعلق بالسلطة وتغيير نهجها في التعامل مع المجتمع ، وعندها ستنتهي المشكلة التي نحن بصددها حيث ان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن لكن يبدو ان السلطة غير راغبة في هذا الامر رغم كل ما دار من حوارات بادرت هي اليها ، وما كتب من مقالات ، وما وُجّه من نداءات ومطالب .

واما الطريق الثاني وهو الاصعب فهو مرتبط باقتناع المجتمع الفلسطيني بقواه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ان له دوراً ، رغم كل الصعاب والمخاطر وان هذا الدور يتمثل في العمل على تقوية المجتمع الفلسطيني ، من خلال مساعدة المواطن على امتلاك وسائل الانتاج ، حتى لا يبقى موقفه ورأيه مرتهنين لمن يملك اعالته . وهذا يمكن ان يتم من خلال المبادرات الشعبية لتكوين صناديق الصدقة الجارية للاقراض ، كما ذكرت في مقالة سابقة . وبهذا وبالتدريج ستقوى الارضية التي سيبنى عليها الجسر .

اذا فعلنا ذلك نكون قد هيأنا الارضية القوية لبناء الجسر ، وهذا سيؤثر على اخلاق الناس ومعنوياتهم واقبالهم على الحياة وتحسين ظروفها ، وحينها ستختفي الاجابة بالصمت او بلا ادري ، لان سبب هذا النوع من الاجابات هو فقدان الانسان لكل احاسيسه الا احساساً واحداً مدمراً ، وهو الاحساس بالضعف ، وهذا ما يعاني منه شعبنا في لحظته الراهنة .

وستظهر اجابة جديدة عندما يستيقظ احساسنا بالقوة وهي "يجب ان اعرف كيف يبنى الجسر ؟"

وهكذا نكون قد بدأنا مشوارنا نحو تكوين الاجابة على السؤال الملح والتي بدونها سيبقى حالنا في تراجع مستمر . حينها سيحدث الاقدام وستلبي الجماهير الدعوة للاضراب ، وستلبي النداء للاعتصام حاملة الزهور لاهدائها لرجل الامن والشرطة ، اعلاناً لرغبتها في بناء الحياة الجميلة ، وصياغة العلاقات الخلاقة التي تساعد شعبنا على الابداع في مواجهة الاحتلال الذي لم يغادر .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة