الإسلاميون والديمقراطية ... نحو خروج من دائرة الحرج

 

العودة إلى صفحة الرسالة


بالرغم من مرور اكثر من سبعين عاما على انبعاث الحركة الاسلامية، مع انها استقطبت في كثير من الاحيان والبلدان اتباعا كثر الا ان الاسلاميين فشلوا في انجاز مشروعهم الحضاري على ما بذلوا من تضحيات جسام قلما جادت بها حركة ما على امتداد هذه الحقبة التاريخية الطويلة ، قيل الكثير عن المعوقات الخارجية التي كانت وراء هذا الفشل وانبرى الكثير من المخلصين للاشارة الى عوامل ذاتية تنبع من سوء فهم الاسلاميين لطبيعة المرحلة التي يحيونها ولعدم ادراك الكثير منهم اهمية المتطلبات الاولية للعمل السياسي ، واود ان اشير هنا الى احد الدلائل على هذا الخلل الذي يمثل سلاحا في ايدي اعداء الاسلام ويسمح بتأطير كل اولئك الذين وقعوا فريسة سياسة التجهيل والتحريض ضد الاسلام ، والمقصود هنا موقف الاسلاميين من الديمقراطية ، فما ان تذكر هذه الكلمة امام الكثير من رجال العمل الاسلامي حتى يثور كالطوفان .. فالديمقراطية كفر.. لانها تقضي ان يحكم الشعب نفسه بنفسه ، وبالتالي لا دورللخالق عز وجل في الحاكمية .. لا شك ان هذا بالفعل ما اراده الذين ارسوا الديمقراطيات الاوروبية بعد التخلص من حكم الكنيسة والاقطاع وبعدما ادرك المصلحون الاجتماعيون في اوروبا توق الشعوب للخلاص من نير رجال الدين ولم تكن الديمقراطيات لتستمر على هذا الاساس لولا وجود رغبة جماهيرية ما زالت ضد تدخل الدين في شئون الدولة .. لكن في المقابل -وهنا يجب على الاسلاميين ان ينتبهوا- هناك بعض البلدان ممن يشار اليها على انها "واحة" للديمقراطية يلعب الدين دورا حاسما في بلورة شكلها وطبيعة مؤسساتها وضبط ايقاع الحراك الاجتماعي -السياسي فيها، والاهم من كل ذلك فان هذا يتم بعكس رغبة الاغلبية المطلقة من مواطني هذه الدولة ، ولعل "اسرائيل" هي المثال الاوضح ... الذي لو تفحصه الاسلاميون لخرجوا من دائرة الحرج في تعاملهم مع الديمقراطية ، ولعلموا انه يمكن ان تكون هناك ديمقراطية دون ان يستطيع الشعب اختيار الشرائع والقوانين التي يريدها بنفسه.. فالمعروف ان نسبة المتدينين والذين يحافظون على الطقوس التوراتية في اسرائيل لا تتجاوز الـ 8% من مجمل عدد السكان ، وعلى الرغم من ان اكثر من 08% من الاسرائيليين يعلنون بفخر انهم علمانيون ولا يكنون اقل درجة من الاحترام للدين، الا ان الدولة وبفضل وثيقة الاستقلال التي اسست لقيام الدولة اليهودية قد فرضت على الاغلبية الساحقة من سكانها الالتزام بعدد من الشرائع الدينية مع رفضهم الجازم والحازم لها ودون ان يكون لحق هؤلاء السكان في التصويت في الانتخابات، وبالتالي التأثير في تحديد الحكومة المنتخبة، اي دور في مقاومة العمل وفق هذه الشرائع التي من بينها:ـ

1ـ الالتزام بـ "قدسية" السبت، فمع ان استطلاعات الرأي العام في اسرائيل تؤكد ان اكثر من 70% من الاسرائيليين يؤكدون انه لو كان الامر بخيارهم لما تقيدوا بهذه "القدسية" وفي هذا اليوم تتعطل مؤسسات الدولة ، ويفرض على زعماء الدولة ووزرائها المبالغة في تشديدهم على احترام هذا اليوم ، ولذا فكم رأينا رؤساء وزراء اسرائيل، وهم علمانيون، يقطعون عدة كيلومترات مشيا على الاقدام وتحت مطر منهمر دون ان يستقلوا سيارة حتى لا يتهموا بخرق هذه "القدسية"

2ـ اجراءات الزواج والدفن واعداد الطعام يلتزم بها العلمانيون والمتدينون على حد سواء بفضل قوانين الدولة .

3ـ هناك من القوانين الدينية في اسرائيل ما يرتبط تنفيذه بحظر تعرض الدولة لخسائر مالية فادحة ومخاطر استراتيجية كبيرة، ومن اهم هذه القوانين ، قانون "التهود" الذي لا يسمح باعتماد "يهودية" اي شخص ان لم يكن تهود على ايدي حاخامات "ارثوذوكس" متزمتين ، وهذا يعني المجازفة بخطر حلول القطيعة بين اسرائيل والجالية اليهودية في امريكا التي يتهود معظم ابنائها على ايدي حاخامات "اصلاحيين" ، قد يقول البعض ان هذا الامر نجم عن حقيقة لعب الاحزاب الدينية في اسرائيل دور لسان الميزان في الحلبة الحزبية ، وهذا غير صحيح ، فبلدية "نتانيا" مثلا لم تحترم قرارا لمحكمة العدل العليا ، التي تعتبر اقوى مؤسسة قضائية في اسرائيل ، لانه تناقض مع فتوى اصدرها الحاخام الاكبر للمدينة، وبعد الاستفاضة في شرح هذا المثال فانه يظهر بالدليل القاطع ان مفهوم الديمقراطية يتغير وفق طبيعة الدولة التي تطبقه ، ففي اسرائيل -كما دللنا- فان الاغلبية المطلقة من سكانها يجبرون على احترام قيود الدين بدون قناعة ، اي انه بالرغم من تمتع الجميع بحق الانتخابات الا ان الحصول على الاغلبية لا يعني الحق في تغيير قوانين اقرها الدين.. وبعبارة اخرى ، فان "الشعب" في اسرائيل لا يحكم نفسه بنفسه بكل ما يتعلق بقوانين دينية يجاهر بعدائه لها .. اذن لماذا لا ينادي الاسلاميون "بديمقراطية" وفق الضوابط التي يحددها الدين الحنيف ، ولماذا نقبل باحتكار الغرب لمفهومها في حين ان اسرائيل التي تعتبر امتدادا للعالم الغربي تخرق هذا المفهوم وتستعيض عنه ببديل يراعي احترام مشاعر الاقلية المتدينة من سكانها بصورة لا يكون معها لمنطق الاغلبية والاقلية اي دور؟ فكيف بعالمنا العربي والاسلامي الذي يحظى فيه تطبيق الشريعة الاسلامية بكل ترحيب ، لقد اصبحت الديمقراطية هي الاسلوب الامثل الذي يكفل للشعوب الحرية والكرامة والحق في صنع القرار الوطني ، وها نحن نرى ان الدول الديمقراطية هي البلدان الاكثر استقرارا والاعز تمكينا في هذا العالم، فلماذا يتبرع بعض الاسلاميين لمهاجمة الديمقراطية ويصورها على انها اوسع غايات الكفر ، لماذا لا يتفتق الذهن الاسلامي عن ابداع ينتهي الى وضع تصور شامل للديمقراطية يأخذ بعين الاعتبار عدم التصادم مع شرعنا الاسلامي مع العلم ان احدا في عالمنا العربي والاسلامي لن يجرؤ على رفض هذا التصور لمجرد انه يراعي تعاليم الشرع الحنيف ، اننا في عالم لا يقبل فيه لعن الديمقراطية ، بل ان موقف الاسلاميين من الديمقراطية اصبح من اكثر الذرائع التي يستخدمها اعداء الاسلام للتنفير من هذا الدين العظيم وممن يحملون لواءه ، حتى ان البعض يستند لموقف الاسلاميين من الديمقراطية ليؤكد ان توليهم الحكم سيكون استمرارا لنهج الدكتاتوريات العربية! انه لا يجوز رفض الافكار لمجرد انها وليدة الغرب الكافر ، ففي هذا الغرب تحترم كرامة المواطن ولا تنتهك حقوقه ، ولو كانت مثل هذه الديمقراطيات الكافرة تحكم الدول العربية لما تعرض الاسلاميون لما يتعرضون له من قمع وحصار لم يشهد التاريخ مثيلا له، انه من المحزن ان يتفق الكثير من الاسلاميين مع جلاديهم في رفض الديمقراطية مع ان طواغيت الانظمة يفزعون من الديمقراطية لانها الوسيلة الوحيدة لحرمانهم من امكانية مواصلة امتهان كرامة ابناء شعوبهم وعلى رأسهم الاسلاميين، ثم ان الاسلاميين فشلوا في تغيير هذه الانظمة بالقوة . انه آن الاوان ان يشمر الاسلاميون عن سواعدهم ويخوضوا غمار العمل الوطني في بلدانهم على اسس جديدة مع استنفاد كل امكانيات الاجتهاد الفقهي ، ويجب التحرر من قيود الاستغراق في شعارات جوفاء لعقود طويلة ، يجب الا يكون الملاذ الاخير في عمل الاسلاميين فقط هو تحوط لتحمل الشدائد ومقارعة الخطوب ، بل يجب ان يتجه الجهد لتحسين اجواء العمل الاسلامي وتهيئة الظروف المحيطة به حتى يؤتي اكله ، لماذا يطالب الاسلاميون في كل البلدان بالتعددية السياسية والحق في المشاركة في الحياة الديمقراطية اذا كانوا يجاهرون برفضها.. آن الاوان للخروج من دائرة الحرج .. نعم نريد الديمقراطية .. لانها افضل مليار مرة من حكم انظمة القمع.

سبيل لمعرفة الآخر : مكابدة الابحاث مقابل تبادل القبلات !!!

مجموعة كبيرة من الشباب والشابات الفلسطينيين والاسرائيليين يتبادلون القبلات في ختام مخيم صيفي استمر لاكثر من شهر على ضفاف نهر "واي" في ولاية ميرلاند الامريكية ، هذا المشهد نقلته شبكة التلفزة الامريكية الـC.B.S ، منظمو هذا المخيم افاضوا في الحديث عن "الفوائد الطيبة" لمثل هذه اللقاءات في "التقريب" بين الشعبين وتسهيل التعارف بين الاسرائيليين والفلسطينيين على اعتبار ان اللقاءات المفتوحة تسهم في "ازاحة" عوائق فرضتها عقود من العداء المتبادل" ، المهم في الامر ان المشرفين الفلسطينيين في هذا اللقاء كانوا الاكثر تحمساً ، لدرجة ان احدهم اخبر القناة الامريكية ان مثل هذه اللقاءات هي "الرد الطبيعي على ادعياء التطرف في الجانبين وخير سبيل لمعرفة الآخر" .... والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل معرفة الاسرائيليين لا تأتي الا من خلال هذه اللقاءات ؟ وماهي محصلة هذه المعرفة ، ان تحققت، بالنسبة للفلسطينيين ؟ وما السبل التي يتبعها الاسرائيليون لمعرفتنا وكيف يوظفون هذه المعرفة في التعامل معنا ...

بخلاف لقاءات التطبيع بين الشبيبة الاسرائيلية والفلسطينية التي اصبحت تنتهي بقبل حارة فإن الدولة العبرية اهتمت منذ ان اعلن عن تأسيسها بمعرفة كل شيء عن الفلسطينيين ، ولذا فقد حرصت الاجهزة الامنية الاستخبارية في اسرائيل على انشاء مراكز ابحاث خاصة بها تهتم بالشأن الفلسطيني ، من هنا قد أنشأ كل من جهاز "الموساد" و"الشاباك" والاستخبارات العسكرية الاسرائيلية مركز ابحاث خاص به ، ويقول يعكوف بيري الذي شغل في السابق منصب رئيس "الشاباك" ان هذه المراكز اسهمت في تقديم المعلومات الضرورية والاساسية واللازمة لتطوير عمل اجهزة اسرائيل الاستخبارية في اوساط الفلسطينيين ، ويشدد بيري على مساهمة هذه المراكز في التدرج في الاساليب التي اتبعتها المخابرات الاسرائيلية في تجنيد العملاء الفلسطينيين ، حيث ان "الشاباك" استعان بخدمات علماء اجتماع اسرائيليين ومستشرقين في معرفة كل صغيرة وكبيرة في المجتمع الفلسطيني ... ومن خلال مراكز الابحاث المختصة بالشأن الفلسطيني ظهرت آفاق عمل جديدة امام اجهزة اسرائيل الاستخبارية ، ويقول الصحفي الاسرائيلي الكبير امنون ابراموفيتش انه بفعل عمل مراكز الابحاث الخاصة بالمخابرات والموساد والاستخبارات العسكرية انتقلت الاجهزة الاسرائيلية الى اتباع اساليب "جديدة ومتقنة" في الحرب النفسية ضد الفلسطينيين والعرب عموماً ، كما ساهمت هذه المراكز في اهتداء المخابرات الاسرائيلية الى التحكم في اهتمامات المجتمع الفلسطيني عن طريق بث افكار محددة لإلهاء الفلسطينيين عن مقاومة الاحتلال ومحاولة اخماد كل جذوة تمرد في نفوسهم لمواجهة هذا الواقع ... ولم ينته الامر عند الاجهزة الاستخبارية فقد حرصت جميع المؤسسات الاكاديمية الاسرائيلية على افتتاح مراكز ابحاث متخصصة تولي الشأن الفلسطيني اهتماماً خاصاً ، بل ان هناك مراكز مستقلة لا تتبع جامعات محددة وتهتم بهذا الجانب بصورة كبيرة ، وقد اولت وزارة المعارف والثقافة الاسرائيلية مراكز البحث المختصة بالشأن الفلسطيني رعاية خاصة وتخصها بميزانيات كبيرة ، وكانت النتيجة ان استطاعت اسرائيل ايجاد باحثين في الشؤون الفلسطينية قد وصلوا الى درجة من المعرفة والاحاطة بهذا الجانب تفوق - ويا للاسف- ما نعرفه عن حالنا ، ولم يبالغ احد المعلقين في اسرائيل عندما قال ان بعض الاحداث في الشارع الفلسطيني تحدث كما خطط لها رجال المخابرات الاسرائيلية بالتعاون مع علماء الاجتماع والمستشرقين اليهود ... اي انه في الوقت الذي نتخذ القبلات سبيلاً لمعرفة اسرائيل واهلها فإن الاسرائيليين يتبعون سبيلاً آخر ، والمهم انه حتى لقاءات التطبيع الساخنة لا نقدم عليها من اجل معرفة الاسرائيليين، بل كما قال صحفي عربي شارك فيها ثم ندم "انها بالنسبة لهم كانت فرصة لرؤية اوروبا والتمتع برؤية الشقراوات في اجواء متسامحة" ... في حين ان هدف مراكز الابحاث الاسرائيلية المعنية بالشأن الفلسطيني هو العمل على تكريس هذا الواقع لصالحهم واعانة آلة الحرب الاسرائيلية على تنفيذ ما ترتئيه دائرة صنع القرار السياسي .

ولذا فإن كنا معنيين حقاً بالخلاص من دائرة الهزيمة فإن علينا ان نسلك نفس السبيل الذي يسلكه الاسرائيليون ... وعليه فإن مراكز البحث -وليست- القبلات بمختلف درجاتها- هي السبيل الاوحد لمعرفة الآخر .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة