مجزرة الحرم الإبراهيمي أحداث لم تنته وإعاقات ماثلة للعيان

 

العودة إلى صفحة الرسالة

بالرغم من حلول الذكرى الهجرية الخامسة

مجزرة الحرم الابراهيمي احداث لم تنته واعاقات ماثلة للعيان

الخليل/ سميرة الحلايقة - الراصد للصحافة والاعلام

نامت عيون الجبناء قريرة وقد ارتكب جزاروها مذبحة بحق الركع السجود في الحرم الابراهيمي في الخامس عشر من رمضان الموافق الخامس والعشرين من شهر شباط عام 1994 ، وقد اغتنموا هدأة المحراب اثناء السجود ، ففي لحظات الفجر الاولى كان المجرم "غولدشتاين" يضغط على زناد رشاشه ليحصد ارواح الابرياء ، (29) شهيدا ، في ساحات الحرم منهم الاطفال والشباب والشيوخ سقطوا برشاش حاقد تربى على العنصرية والارهاب وسفك الدماء هذا فضلا عن جرح مئات الابرياء الذين لازالت اعاقات بعضهم ماثلة للعيان نامت عيون القتلة وهدأت نفوسهم وقد تلطخت ايديهم بالدم الفلسطيني ولكن عيون الخليل وعيون ابناء الضحايا وآبائهم وامهاتهم لم تنم.

**الحدث الدامي

توجه المئات من ابناء خليل الرحمن لاداء صلاة الفجر في الحرم الابراهيمي صبيحة يوم الجمعة الحزينة ذلك العام ، واثناء سجود المصلين انطلقت رصاصات الغدر من رشاش المستوطن "باروخ غولد شتاين" باتجاه المصلين من زاوية الاسحاقية ، بجانب مقام ابراهيم الخليل وقد استمر اطلاق الرصاص وسط سقوط الشهداء وانين الجرحى وصراخ المذعورين حتى تمكن المصلون من السيطرة على المجرم ، وتم قتله بعد ان افرغ حقده وجام غضبه على الابرياء وكانت النتيجة استشهاد 29 مصليا داخل اروقة الحرم اضافة الى استشهاد 10 اخرين بعد اسبوعين على وقوعها. العديد من الجرحى وممن نجوا من المجزرة اكدوا بان المتطرف "غولد شتاين" لم يكن وحيدا بل كان هناك من افراد الجيش او من المستوطنين ممن تخفوا بالزي العسكري الاسرائيلي كانوا يقومون بامداده بمخازن الذخيرة لكي يقوم بقتل اكبر عدد ممكن.

**ربيبة مارزيل وليفنجر

مرتكب المجزرة المجرم "باروخ غولد شتاين" متطرف من سكان مستوطنة "كريات اربع " الى الشرق من مدينة الخليل وهو حاصل على رتبة ضابط احتياطي في جيش الاحتلال وينتمي لحركة "كهانا العنصرية" الذي اسسها "مائير كهانا" الذي قتل في امريكا اثناء القائه احدى المحاضرات العنصرية ضد العرب قبل عدة سنوات ، وكان قد تربى على موائد الحقد والتطرف اليهودي فهو الصديق الاعز لدى المتطرف "باروخ مارزيل" و "موشيه لفنجر" اللذان يقطنان في بؤرة "تل الرميدة" في مدينة الخليل وينظمون العشرات من الاعتداءات ضد المواطنين الفلسطينيين في قلب الخليل ، وكان المتطرف "غولد شتاين" قد ارتدى زيا عسكريا اثناء دخوله الحرم وارتكب المجزرة بتواطؤ من الجنود الموجودين على الباب الخارجي وبمساعدة متطرفين اخرين لم يكشف النقاب عنهم، وكان المصلون قد شاهدوه عدة مرات يتجول في ساحات الحرم الابراهيمي قبل ارتكابه للمجزرة وقد اتم المجرم "غولد شتاين" تدريبات خاصة لارتكاب جريمته في معسكرات للجيش الاسرائيلي في منطقة قريبة من "نيويورك" في الولايات المتحدة الامريكية.

**الغضب يمتد والاحداث تتزايد

ما ان انتشر الخبر حتى التهبت الاراضي الفلسطينية وعم الغليان الشعبي مختلف القرى والمدن الفلسطينية وقد خرج المواطنون في مواجهات دامية لتشمل الدول العربية والجاليات الاسلامية في الدول الاجنبية. ففي مدينة الخليل الباسلة كانت الاحداث تتفجر في كل لحظة وخاصة اثناء تشييع جثامين الشهداء فقد وصل الصلف الاسرائيلي والحقد الاعمى المجبولة عليه نفوسهم ان كانوا يطلقون النار على المشيعين مما ادى الى ارتفاع حصيلة الشهداء من مدينة الخليل بعد مرور حوالي شهرين على وقوع المجزرة الى 60 شهيدا ومنهم من دفن مع الجثمان الذي شارك في تشييعه وامتد الجرحى الى 300 جريح.

اما على صعيد المدن والقرى الفلسطينية فقد كانت المواجهات دامية صاحبها فقدان التوازن لدى افراد الجيش الاسرائيلي الذين اخذوا يطلقون الرصاص دون تمييز حتى وصل عدد الشهداء بعد اسبوعين من المجزرة الى 90 شهيدا وقد انتقلت المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية الى مختلف الدول والاقطار العربية حيث نظمت المهرجانات والمسيرات الغاضبة التي تندد بالمجزرة ومرتكبيها ، كما امتدت المسيرات الى الجاليات الاسلامية في الدول الاجنبية الذين خرجوا يهتفون ضد الوجود الصهيوني في فلسطين والاراضي الفلسطينية المغتصبة.

**تقسيم الحرم اول عقوبة للضحية

بعيد ارتكاب المجزرة وكعادة الاحتلال في معاقبة الضحية قامت سلطات الاحتلال باغلاق الحرم الابراهيمي لمدة تزيد عن ستة شهور لاخفاء معالم الجريمة والوجه القبيح للكيان الصهيوني بالاضافة الى البحث عن مخرج للحكومة الاسرائيلية لتبرير المجزرة ، وبعد المدة المذكورة عاد المصلون الفلسطينيون الى الحرم ولكن عبر طوابير تصطف على العديد من البوابات الحديدية والالكترونية وتخضع لتفتيش دقيق قبل الدخول ، فقد عمدت سلطات الاحتلال لوضع عدة حواجز حديدية لتتمكن من السيطرة على اي وضع محتمل داخل وخارج الحرم ، هذا بالاضافة الى وضع جديد تبلورت معالمه داخل وخارج الحرم الابراهيمي ، فقد قام الاحتلال بوضع اربع بوابات الكترونية اخرى على المدخل الجنوبي الذي يدخل منه المصلون المسلمون في فترة الاعياد والمناسبات الاسلامية ، كما تم تقسيم الحرم بصورة مجحفة حيث فصلت الاجزاء الجنوبية الغربية ببوابات حديدية وخصصت لليهود والتي تزيد نسبتها عن 55% من مساحة المسجد وتشمل مقام سيدنا ابراهيم وصحن المسجد ومقام سيدنا يوسف عليه السلام "اليوسفية" والباب الجنوبي واليعقوبية ، حيث اصبحت بيد المستوطنين والجيش الاسرائيلي ، فيما خصص للمسلمين الاسحاقية والجاولية ، وقد ثبت الاحتلال فيها 15 كاميرا للتصوير من اجل مراقبة المصلين في اماكن متعددة داخل المسجد.

**اعاقات تتحدث

المجزرة تركت العديد من الاعاقات الجسدية للعديد من المواطنين ، ثمة صور حية خلدت المجزرة بشكل يثير الالم وكوامن النفوس ويعيد المرء الى احداثها ، الصورة الاولى للمواطن محمد ابو الحلاوة الذي كان يعمل في قطاع البناء قبل المجزرة الا انه الان يعاني من وضع مادي سيء بعدما اقعده رصاص الغدر على عجلة متحركة يخرج بها الى شوارع المدينة ليقضي حوائج الاسرة وقد انضم الى العشرات من العاطلين عن العمل خاصة بعد ان تقدم للعديد من المؤسسات الفلسطينية للحصول على عمل يلبي من خلاله متطلبات اسرته المكونة من سبعة افراد ، وقد رفضت جميع الطلبات التي تقدم بها بحجة وضعه الصحي الا ان (ابو حلاوة) يؤكد بأنه لديه القدرة على عمل اي شيء يعتمد على القدرات الذهنية واليدوية ، خاصة وانه اصيب بشلل في الجزء السفلي من جسمه نتيجة لاصابته في العمود الفقري ، ويتمنى (ابو حلاوة) ان تنظر المؤسسات الفلسطينية الى معاقي المجزرة بطريقة اكبر من نظرة الشفقة وتعاملهم على قدر التضحية التي قدموها .

اما الصورة الثانية فقد كانت للشاب (كمال عابدين) ، الذي لا يصدق بأنه مع الاحياء بعد ان اصيب برصاصة افقدته الوعي لمدة خمسة شهور متتالية ، لكنه اكتشف بعد ان عاد الى وعيه بأنه سيبقى ملازماً لكرسي متحرك مدى الحياة ، ومع ذلك لم يستسلم فقد استطاع ان يتخطى المرحلة بالرغم من صعوبتها فقد عمل على شراء سيارة خصوصية وانضم الى مصنع احذية خاص بالعائلة ،واكد بأنه على درجة عالية من الثقة بنفسه وانه سيثبت للجميع بأن غولدشتاين وامثاله لن يستطيعوا ان يحرموا الشعب الفلسطيني من حقه في الحياة والعيش بكرامة ومثالية . وقال بأن يوم المجزرة سيظل عالقاً في ذهنه الى الابد .

ثمة صورة اخرى كانت للشاب (حمادة المحتسب) 30 عاماً حيث ما زال يتكئ على عصا وقد اصيب حمادة بشلل غير مكتمل ناتج عن رصاصة اخترقت العمود الفقري وهو الآن يعمل في مستشفى محمد علي المحتسب ويسيّر اموره بشكل اعتيادي .

** رصاصتان للذكرى

اثناء تجوالي في الحرم الابراهيمي الشريف بعد مرور خمس سنوات هجرية على المجزرة رأيت رصاصتين من مخلفات المجزرة مغروزتين في جدار المسجد في الزاوية الشمالية الشرقية من الاسحاقية وقد بدت احداهما ظاهرة للعيان اما الاخرى ،فقد كانت مغروزة بشكل يعبر عن همجية وحقد العقلية الصهيونية وعطشها للدم الفلسطيني وللحقيقة فإن الزائر لتلك الزاوية يستعيد احداث المجزرة امام ناظريه حتى ان لم يكن شاهدها .

** حفريات في بيت ابراهيم

في الفترة التي تم فيها اغلاق الحرم الابراهيمي كانت سلطات الاحتلال قد فتحت في ارضية المسجد فتحة تزيد عن متر ونصف بجانب المنبر من الجهة الجنوبية الشرقية وقام مسؤولو الآثار والحفريات في الدولة الاسرائيلية بالبترول الى مغارة سيدنا ابراهيم والسيدة سارة الموجودة اسفل المسجد واجراء الحفريات بداخلها ، وقد اكتشف هذا الامر من قبل سدنة المسجد بعدما اتضح لهم التغييرات ووضع الاسمنت بطريقة حديثة وملفتة للنظر على الفتحة التي تم احداثها في ارضية المسجد ويستطيع المواطن ملاحظة هذا التغيير بعد رفع السجاد من المكان المذكور ولا يعلم الكثير من المواطنين الفلسطينيين ماذا فعل ابناء يهود بمقام سيدنا ابراهيم عليه السلام.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة