رسالة

د. عطا الله أبو السبح

العودة إلى صفحة الرسالة

الرسالة 57 الى كوسوفو ...

اقف عاجزا امامك وانا ارى جراحك تنزف، واشلاءك تتطاير ورؤوس صغارك يلعب بها الصرب المجرمون الكرة، اقف عاجزا في مأتمك وانا ارى الحرائق تلتهم جسدك في (سربينتشا) التي تحولت الى كومة من رماد ، بعد ان اشعلوه نارا، واطلقوا لهيب بنادقهم ، دون تمييز بين رجل او امرأة ، او طفل ، او شيخ ، اقف عاجزا وانا اسمع عن الطوابير من بنيك التي اقتيدت -كما لو كانت نفايات- حتى وضعت امام الجرافات الهائلة، التي اخذت تطحن اجسادها ، التي كانت لتوها على قيد الحياة ، ثم تحرق بيوتهم ، احياءهم ، ملاعبهم، اسماءهم ، سجلات مواليدهم ، واراضيهم ، كيلا يبقى لها اثر.

اقف عاجزا يا أخت (البوسنة) بمدنها المذبوحة (فوتشا) ، (فيتشجراد) اللتين شهدتا مصارع الاحباب ، وهتك اعراض العذارى في يوم عيد الاضحى بايدي تلامذة احد عمالقة الدنيا (جوزيف بروز تيتو) ، الذي يطل علينا بعض المرتهنين منا بالدفاع عن افعاله وتراثه و(تلاميذه)!!.
اقف عاجزا امام ايادي اولادك المكبلة ، واقدامهم المحتقنة ، يساقون امام ذوي الاقنعة السوداء ، والسترات الخضر الى التلال المحيطة بك ، ليمارسوا بهم هوايتهم الافضل ، فصل رؤوسهم، بقر بطونهم ، اغتصاب بنياتهم.

اقف امامك عاجزا يا اخت بغداد ، واخت قانا ، واخت دير ياسين، واخت حماة.

اقف عاجزا وانا استمع لتقرير (باتون هاكسهو) الذي يؤكد فيه مقتل العشرات من العزل والابرياء الضعفاء ، الذين التهمهم الرعب والجوع والشتات، وعندما وصل الى قوله (وربما كان مصير هؤلاء افضل كثيرا من نيران الرعب، وثلوج الشتاء التي تطارد الاف اللاجئين الباحثين عن مأوى )، عندما وصلت الى ذلك بلغ -يا سيدتي - عجزي ذروته ، فبكيت.

اقف عاجزا وانا اقرأ عن مجزرة (راتشاك) التي اذهلتني عن الحريق الذي شب في صدري لعجزي فصرخت : لماذا؟

اقف عاجزا وانا استرجع الذكرى لذبح عشرة ملايين اعزل بيد العظيم جدا (ستالين) ، ومأساة الاسلام في روسيا العظمى التي ندين لها بكل هزيمة حلت بنا ، وبكل انحلال سكن جسدنا ، وبكل فجور تقذفه وسائل اعلامنا.

اقف عاجزا وانا انظر الى عيني الكلب الحقير (سلوبودان ميلوسوفيتش) الذي يأخذ على عاتقه حماية (الصليب) من ان تناله حراب المسلمين(!!!) والذي يتحدى العالم الاسلامي والعربي الذي تلجمه الديمقراطية العربية ذات الانياب والمخالب من ان يقول لا لذلك الكلب الحقير.

اقف عاجزا امام (شرم الشيخ) التي ما استقبلت زعيما عربيا من الذين تنافخوا ثورة وعرامة ، وهبوا هبة رجل واحد للوقوف في وجه الارهاب، للقضاء عليه، واجتثاثه من جذوره ، ولا اكاد -امام ذبحك- اسمع لهم ركزا.

واقف عاجزا امام عجز دول عدم الانحياز الذي فاق عجزي وهمي وهي ترى دول الانحياز تتحرك حركة (ما ) لوقف ذبحك - ولو في الظاهر- بل رأينا موانيء تركيا توشك ان تستقبل الاسطول الروسي الصديق، الذي جاء ليحمي سكين (ميلوسوفيتش) بعد ان اتخذ (يلتسين) سلسلة تدابير عسكرية، الامر الذي اولته اجندة وليام كوهين ، واجندة اولبرايت اهتماما عظيما.

اقف عاجزا امام موقف الصين الذي يتناقض مع موقف (مونتيجرو) شريكة الصرب في الاتحاد، التي ترفض تصرفات ذلك الجزار الصربي المجنون، الذي يهدد امن العالم بذبح الابرياء، ويدمر العمران ، فسألني ابني بسذاجة : لماذا؟ فعجزت عن الجواب.

اقف عاجزا وانا اراجع من الذاكرة ما فعلت اليهود في مدننا وقرانا ، وما فعل الفرنسيون في الجزائر ودمشق ، وما فعلت انجلترا ، واسبانيا ، والبرتغال في القدس، ما فعل نيرون ، وهولاكو ، وما فعل نابليون الذي قاد خمسين الف جندي في حملته الشهيرة على مصر، التي لم يزد حينذاك تعداد جيشها عن عشرة الاف مقاتل ، فماذا فعلوا؟ يقول احد جندها (ذبحنا الرجال والنساء - في حي من احياء الاسكندرية- الكبار والصغار ، وحتى الاطفال عن بكرة ابيهم ، وبعد نحو اربع ساعات هدأت سورة جنودنا في النهاية)... شيء عظيم يا اوروبا ، لا تهدأ سورة جندك الا بذبح الجميع عن بكرة ابيهم!!

ويقول اخر : ان قرية مصرية رفضت امدادنا بالبضائع التي طلبناها قمنا بضرب اهلها بحد السيف ، واحرقناها بالنار، فذبحنا واحرقنا 900 رجل وامرأة وطفل ليكونوا عبرة لشعب همجي نصف متوحش.

نفس المشهد يتكرر في مذكرة بعث بها احد الصليبيين من القدس الى البابا يقول له : (خيلنا تغوص ركبها في دماء الشرقيين في بيت المقدس) .

وهو هو الذي يمارسه (ميلو) في جسدك دون حراك منا ولو بطرد سفير .. الله اكبر !!

وقفت مشدوهاً لما فعل نابليون في قرية بني عدي ( اصبحت بني عدي اكواماً من الخرائب ، وتكدست جثث القتلى في الشوارع ، ولم تقع مجزرة اشد هولاً مما حل بـ>بني عدي< حتى قدر احد جنرالات ذلك الامبراطور العظيم بثلاثة آلاف قتيل (من قرية !!) ) .

مذبحتك هي المذبحة التي نفذها ذلك الامبراطور العظيم في (يافا) ، التي يقول عنها في مذكراته : بلغت سورة الجند قمتها ، فاعملوا السيف في كل انسان ، وقاست المدينة بعد نهبها جميع الاهوال التي تقاسيها مدينة مقتحمة ، وكأنه امر مسلم (اذن فلا نستهجن) .

اقف عاجزاً امام مواثيق السلام التي لا تحترم مع المسلمين ابداً ، ابداً ، وليس الامر بمستهجن ابداً ، ابداً ، فنحن اخبر الناس في ذلك ، تعودناها فما صدر قرار بحقنا ، احترمه يهود، وما ابرم اليهود معنا اتفاقاً الا اذابوه بعرق اقدامهم ، وركلوه بأعقاب احذيتهم : مدريد ، اوسلو ، واي ريفر ، وادي عربة ، والكامب ، انها الاتفاقيات التي يبرمها الاقوياء مع الضعفاء ، او المستضعفين ، فدولة يهود تمتلك من الرؤوس النووية ، والصواريخ ذات المدى 3500كم ، ولا نملك مقابلها الا ان (تمر مواكب لا روح فيها ، وابواق وليس بها حديد) على تاريخنا ، وامام اعيننا ، ونحن مشغولون باحياء ليالي جرش ، وليالي الفحيص ، وليالي التلفزيون ، وليالي فلسطين ، وليالي من الطرب ، والمجون ، والتفاهة ، والسقوط .

اذن ليس بمستهجن الا يحترم اتفاق رامبوييه ، ولا اتفاق باريس ، ويلقيان نفس مصير الواي ، هي الاتفاقيات التي يدوسها الكبار المغرورون ، دون ان يأبهوا للصغار المسحوقين .

اقف عاجزاً امام انسانية يهود (!!) الذين يبادرون بارسال الادوية والاغطية والطعام لك ، دون هالات او مباخر ترسم او توقد حول نتنياهو ، واذا ما حاكاه زعيم من زعمائنا ، نصبت السرادقات احتفالاً واحتفاء بالزعيم ، الذي اتى بما لم تستطعه الاوائل .

اقف عاجزاً امام عجزي ، فلا املك يا اخت الاندلس ، والاسكندرية ، وحيفا ، وعكا ، والقدس ، شيئاً ، لا املك شيئاً .

لا املك لطوابير البائسين الفارين من النيران شيئاً .

لا املك للمؤامرات الرخيصة التي تقتلع جذور بنيك من اراضيك ، لزرعهم مزقاً واشلاء في بقاع متفرقة ، لا املك شيئاً فأنا عاجز عاجز ، لدموع نسائك اللاتي نهشت قلوبهن انياب العذاب ، والصخور ، والاحزان ، والهروب .

لا املك شيئاً لاطفالك الذين يلعبون رغم الاوساخ وبقع دماء آبائهم وامهاتهم على اثوابهم ، وكأنهم طيور ترقص مذبوحة من الالم ، فأنا عاجز .. عاجز .

لا املك شيئاً لاعادة الاسد (آدم ديماتشي) قائد جيشك البطل الى عرينه ، فأنا عاجز عاجز .

يتساقط بنوك مئات وآلاف ضحايا الاجرام الصربي او الاجرام الصليبي ، كما تساقط ابناؤنا في تل الزعتر ، وجسر الباشا ، والبقاع .

تجري في شرايينك سكاكين لحد ، والجميل ، وحداد، وسرايا الدفاع .

تبتلعك ارضك كما ابتلعت ارضي اهلي .

يا سيدتي هي حضارتهم ، وسيادتهم ، لابد ان نغرق فيها لاذاننا ، ونذعن لها لآذاننا ، والا فإن خبراء البنتاجون وراداراتهم من سيعالجون الامر كما عالجوه من قبل في بغداد .

انهم يرون كل شيء فينا عبر شاشاتهم الالكترونية العملاقة المتوهجة باستمرار ، وعبر عيونهم اليقظة باستمرار .

من المهازل -يا سيدتي- انني اتوجه بالدعاء الى خافيير سولانا- الامين العام لحلف شمال الاطلنطي- ان يسدد الله ضرباته ، وان يلهمه ان يضرب الجزارين الذين يعملون ذبحاً في قلوبك حتى يكفوا عن ذبحك بدل ان يضرب الاهداف البعيدة ، الامر الذي يؤجج نار الحقد في صدور كلاب الصرب ؛ فتستبد بهم شهوة القتل والذبح والتدمير في ارجائك ، او كما قال نابليون (سورة الجند) .

سيدتي .. انني عاجز ، وأسأل الله ان يدمر على من كان سبباً في عجزي ، والحرب على اعدائك ، واتمنى لما بقي منه السلام .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة