موقف أوروبا تجاه فلسطين : تقاسم للأدوار والتلاعب بالألفاظ

نهاد الشيخ خليل

العودة إلى صفحة الرسالة


تتلخص نتائج الحملة الدبلوماسية التي تقوم بها السلطة لمواجهة استحقاق 4/5/99 بالاعلان عن بسط سيادة الدولة الفلسطينية المستقلة على الارض، بالحصول على اعتراف اوروبي بهذه الدولة من حيث المبدأ ، لكن دون استعداد لوضع آلية عمل تساعد على اقامة هذه الدولة. اما على الجانب الامريكي فتتمثل النتيجة بالحصول على وعد من الادارة الامريكية لوضع آليات عمل واستئناف المفاوضات وفق جدول زمني يتفق عليه الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي برعاية امريكية ، لكن دون ضمان اقامة الدولة الفلسطينية ، بل على العكس من ذلك، فلا زالت اوساط مهمة في الولايات المتحدة تعارض وبشدة مبدأ اقامة الدولة الفلسطينية فلا زالت اوساط مهمة في الولايات المتحدة تعارض وبشدة مبدأ اقامة الدولة الفلسطينية.

قال بعض المراقبين ، تعليقا على الموقفين الاوروبي والامريكي سابقي الذكر ان هذا تقاسم للادوار بين الطرفين ، الهدف منه اشعار الطرف الفلسطيني بجدوى استمرار الالتزام بالعملية السياسية، انتظارا لنتائج الانتخابات الاسرائيلية ، لعل وعسى ان تأتي برئيس وزراء غير نتنياهو ، وان لم يحدث هذا، فإنه من المتوقع ان ييأس الفلسطينيون من الانتظار ويضطروا لقبول المعروض عليهم وذلك تحت مبرر "شيء احسن من لا شيء".

وقد جاءت اخر المواقف الاوروبية من مسألة اعلان الدولة والعملية السياسية في الشرق الاوسط ، وفي بيان صدر عن قمة الاتحاد الاوروبي التي انعقدت في برلين بتاريخ 26/3/99 واعربت السلطة الفلسطينية ، وعلى لسان اكثر من مسؤول عن تقديرها القوي لهذا الموقف الاوروبي السباق الذي يؤيد حق الفلسطينيين في تقرير المصير وفي اقامة الدولة المستقلة، ورأت فيه تطورا ايجابيا. وطالب عدد من هؤلاء المسؤولين الاتحاد الاوروبي اتخاذ خطوات عملية تدعم هذا الاعلان المتطور والايجابي ، حسب رأيهم.

لكن هذا البيان -الذي عرف باسم بيان برلين- الذي اعتبرته القيادة الفلسطينية متطورا وايجابيا ، من وجهة نظري ، يخلو من الايجابية ، فهو لم يحدد ان مرجعية عملية السلام هي القرارات الدولية الصادرة بشأن القضية الفلسطينية ، بل اقتصر على ذكر القرارين 242 و 338 ، والجميع يعرف ان هذين القرارين يخدمان اسرائيل على اعتبارها دولة يحق لها العيش ضمن حدود آمنة مثلها مثل بقية دول المنطقة ، ونحن الفلسطينيين لم نصبح دولة بعد، وهذا القرار لا يعترف الا بحق الدول في العيش بأمان، اما البند الذي يخصنا في قرار 242 فهو القاضي بـ "عدم جواز احتلال اراضي الغير بالقوة" وهو لفظ غير محدد ، ثم ان اتفاقات اوسلو لم تنص على ان الضفة والقطاع اراض محتلة ، او انها ملك للشعب الفلسطيني، بل اتاحت هذه الاتفاقيات المجال لاعتبارها اراضي متنازعا عليها، وبالتالي فإن قرار 242 بجملته لا يحمل لنا ايّة فائدة.

كما يلاحظ ان بيان برلين لم يأت على ذكر القرار 181 الخاص بتقسيم فلسطين، هذا رغم ان الاتحاد الاوروبي قبل شهر اصدر بيانا بشأن موقفه من القدس، اكد فيه ان القدس بشطريها غير خاضعة للسيادة الاسرائيلية، وان الحسم بشأنها سيكون في مفاوضات الحل النهائي، واستند الاتحاد الاوروبي في موقفه هذا الى قرار 181. وكانت السلطة قد هللت كثيرا لهذا القرار الخاص بالقدس. وهنا تجدر الاشارة الى ان ذكر الاتحاد الاوروبي لقرار 181 في بيان له قبل شهر ، ثم اختفاء هذا القرار من البيان الجديد، لم يسقط سهوا ، بل انه يجيئ في اطار التلاعب بالالفاظ بهدف استرضاء الطرف الفلسطيني ، خاصة في ظل الهجمة الاسرائيلية الشرسة.

لكن لابد من الاشارة الى ان الاوروبيين يتذمرون من السلوك الاسرائيلي تجاه العملية السياسية، وربما من سلوك الولايات المتحدة كذلك، لكن هذا التذمر يندرج في اطار التناقضات الثانوية داخل المعسكر الواحد، ولا يمكن ان يرقى الى درجة تناقض رئيس طالما بقي السلوك السياسي الفلسطيني والعربي على ما هو عليه من ضعف وتراجع.

ان التغيير الوحيد الذي طرأ على الموقف الاوروبي ، في هذا البيان، بشأن الدولة، تضمنته الصياغة التالية "يؤكد الاتحاد الاوروبي مجددا على حق الفلسطينيين الدائم وغير المشروط في تقرير المصير بما في ذلك خيار دولة" ، وكان قد ورد في بيانات سابقة للاتحاد الاوروبي الصياغات التالية "يؤكد الاتحاد الاوروبي على حق الفلسطينيين في تقرير المصير بما لا يستثني خيار دولة..." ومن المؤكد ان هذا التغيير بين "بما لا يستثني" وبين "بما في ذلك" ما هو الا تلاعب بالالفاظ ، فالبيان اكتفى بذكر كلمة "دولة" نكرة دون تعريف او تحديد لمضمونها. اضافة الى ما تقدم فإن البيان في كل بنوده "دعا الاطراف للعمل.." وهو بهذا يساوي بين الطرفين في تحمل المسؤولية ، ولا يلقي باللوم على اسرائيل بسبب احتلالها واستيطانها وهدم البيوت وغير ذلك. ثم ان بيان برلين لا يلزم اوروبا بشيء اذا اخلت اسرائيل بالتزاماتها.

بناء على ما تقدم واستنادا اليه، فإن استمرار السلطة في القول ان الموقف الاوروبي يشهد تقدما ، وان اللقاءات مع الامريكان هي ايجابية ومثمرة ، ان استمرار مثل هذه التصريحات ، هي بمثابة شهادات مجانية بعدالة ومصداقية اوروبا وامريكا، رغم ان الحقيقة هي عكس ذلك بشأن فلسطين والعراق والسودان وليبيا وكوسوفو ، وكل قضايا العرب والمسلمين.

الا ان الموقف الاكثر غرابة من اعتبار بيان برلين يمثل تطورا ايجابيا لصالح الشعب الفلسطيني، ذلك الموقف الذي يرى في ضرب حلف الناتو ليوغوسلافيا مؤشرا على تغيير جوهري في السياسة الدولية ، حيث اخذ الحلف على عاتقه تنفيذ قرارات دولية بقوة السلاح ، والاكثر من ذلك فإن بعض المسؤولين في السلطة يدعون اسرائيل لاستخلاص العبر من ذلك حتى لا تتعرض لما يتعرض له الصرب.

لا اريد ان اصف هذا التصريح بالسذاجة والسطحية ، بل اكتفي بالقول انه يفتقر الى الحكمة ، فالجميع يعرف ان امريكا لن تضرب اسرائيل، ثم ان اسرائيل قد استخلصت العبر فورا ، فهي من جهة لم تؤيد ضرب يوغوسلافيا رسميا، لكن نتنياهو لم يفته استثمار هذا الحدث عندما قال: "ان ما يفعله الناتو يؤكد صحة ما نقول وهو ان القوة تلزم احيانا لفرض السلام".

ان الطرف الذي يجب ان يستخلص العبر هو نحن، علينا ان نكف عن التعويل والرهان على الدعم والمناصرة الخارجية، وعلينا ان نبحث عن عناصر القوة التي نملك وهي كثيرة، وحدتنا وقدرتنا على تفجير الاوضاع وقلب الطاولة، ان هذه العناصر موجودة ، لكنها كامنة بانتظار الارادة لتفعيلها ، وان مضي الوقت ليس في صالحنا ، فالارض تتقلص من تحت ارجلنا ، واوضاعنا الداخلية لا تسر كثيرا ، فهل نبدأ الخطوة الاولى في المشوار الطويل؟!.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة