بالمختصر المفيد

 

العودة إلى صفحة الرسالة

كوسوفو-غزة : دبلوماسية "القوة" ... وقوة الدبلوماسية

الحرب الدائرة في يوغوسلافيا على اختلاف تفسيراتها واهدافها، تحتاج الى نظرة فاحصة فضلا عن ان تكون شمولية حتى لا تكون الصورة مبتسرة او مشوهة ... هذه النظرة تتحدد في النقاط التالية:ـ

1- ان الصرب كانوا طوال تاريخهم اشبه بالشوكة في خاصرة اوروبا والولايات المتحدة ، من حيث عنادها "القومي" الذي يبحث عن السيطرة والهيمنة والتوسع على حساب الاقاليم المجاورة ، فبدءا من كونهم سببا في الحرب العالمية الاولى ومرورا بحروبهم ضد كرواتيا وسلوفينيا ثم اشعالهم حربا ضروسا في البوسنة والهرسك وانتهاء باعتمادهم سياسة التطهير العرقي في كوسوفو.. هذا التاريخ الملطخ بالمجازر والمذابح والكراهية اللامتناهية للوجود الاسلامي فضلا عن النظرة القومية -الايديولوجية المتعالية- تجاه الاوروبيين لم يكن يسمح لاوروبا ان تصمت على هذا "العنتري" ملوسوفيتش الذي بدأ يؤجج النار في البلقان مهددا بحرب عالمية ثانية.. ومن هنا كانت اوروبا - التي وصلت الى مرحلة متقدمة من الوحدة السياسية والاقتصادية والاستقرار الامني- بحاجة الى اسكات هذا "البوم" الذي ينعق في سماء اوروبا ، ورغم قناعتنا -وهذا هو الدرس الثاني- ان اوروبا والولايات المتحدة صمتت "دهرا" عن المجازر الرهيبة (البوسنة مثالا) ما كان لها ان تنتظر هذه الفترة الطويلة التي استغلها ملوسوفيتش لتطهير يوغوسلافيا من المسلمين .. وهنا تأتي الاسئلة الكثيرة المحرجة : لماذا لم يستخدموا القوة منذ البداية رغم استخدامها ضد العراق في اليوم الثاني من غزو الكويت و في الاسبوع الاول ضد السودان وافغانستان من تفجير سفارتي امريكيا في نيروبي وتنزانيا ، وفي الاشهر الاولى من قضية لوكربي..؟ هل كان التدخل لحماية المسلمين ام هي "حرب مصالح" لايجاد حالة من التوازن في البلقان ؟ .. ام هي الفرصة المواتية لانهاء اخر "جيب روسي" في القارة الاوروبية؟.

اما بشأننا عند الفلسطينيين -وهذا هو الدرس الثالث- فطوابير المهاجرين اعادت الى ذاكرتنا جرائم الصهيونية في العام 84 والتي مارست نفس الدور الصربي: القتل والتشريد وسياسة الارض المحروقة ، كل ذلك من اجل السيطرة على شعب اخر بالقوة والارهاب ، الفارق هنا شيء واحد فقط، ان هذه السياسة الاسرائيلية "بوركت" من قبل الساسة الامريكان ولم تجد مجرد استنكار لها، وتفسير الامر واضح جدا، ليس بحسب قاعدة "الكيل بمكيالين" وانما لان اسرائيل هي "جيب امريكي" في منطقة الشرق الاوسط وليس "جيبا روسيا" كصربيا.

والدرس الرابع والاهم ان امريكا اثبت ان استخدام القوة ضد المتمرد ملوسوفيتش هو الحل الامثل بعد ان فشلت كل "المساومات السياسية" وهذا يعني في نفس الوقت ان استخدام القوة ضد اسرائيل هو الكفيل ايضا بردعها وتحطيم قوتها وعنادها ولكن لا نتوقع من امريكا ان تضرب اسرائيل، لكن المتوقع هو ان اعداء اسرائيل هم الذين يجب ان يضربوها.

امريكا تستخدم "القوة" لفرض الحل الدبلوماسي والسياسي "الاعرج" علينا وتستخدم القوة "المجردة" لحل النزاع في كوسوفو .. وربما تكون نجحت في كلتا الحالتين ، لكن النتائج مختلفة : فعندنا خسرنا كثيرا وربح الصهاينة ، وهناك في كوسوفو من المتوقع ان تربح امريكا واوروبا ، وسنظل -نحن العرب عموما- بين "دبلوماسية" امريكا و "قوتها" الرادعة .. لا نعرف متى تستخدمها وضد من .. لاننا بالاساس لا نعرف من هي امريكا .. فضلا عن اننا لا نعرف ماذا نريد؟

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة