لوكربي ... هل ينتصر القانون ... والشرعية الدولية

العودة إلى صفحة الرسالة


تقرير خاص بالرسالة

بعد مضي اكثر من 6 سنوات من الجدل والتنافس بين ليبيا من جهة والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة ثانية والامم المتحدة من جهة ثالثة تخللها فرض عقوبات شبه شاملة على ليبيا ومواجهات سياسية وقانونية لم تخل من التوتر والحرب الدعائية بين جميع الجهات والاطراف المعنية وصلت قضية لوكربي الى مخرج قائم على ترضية لجميع الاطراف استندت الى تسليم للمتهمين الليبيين في حادث تفجير طائرة "بان امريكان" في اجواء لوكيربي في 1986 الى دولة محايدة ومحاكمتهما وفق اسس ومعايير قانونية محددة ارتضاها طرفا القضية وتعليق العقوبات التي فرضت على ليبيا بانتظار تقرير الامين العام للام المتحدة يعلن فيها عدم ضلوع الجماهيرية الليبية في الارهاب الدولي .

وكانت هذه القضية هي القضية الاولى من نوعها التي يواجهها المجتمع الدولي والتي من خلال تهمة جنائية غير مؤكدة لمواطني احدى دول المجتمع الدولي ان يفرض مجلس الامن عقوبات تصاعدية على تلك الدولة قبل استمكال الاجراءات القانونية واستيفاء الوسائل الدبلوماسية والسياسية في حينها ، وكما يشير السياق الذي جاءت فيه القضية فان الدولتين المدعيتين امريكا وبريطانيا حاولتا استثمار مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية ، وتفردهما في زعامة العالم وخضوع المجتمع الدولي لتأثير دعوات الشرعية الدولية وتنامي دور مجلس الامن وسلطته في القضايا الدولية ، وذلك بتدشين مرحلة جديدة يسعيان من خلالها الى فرض مواقفهما السياسية على المجتمع الدولي واخضاع بعض الدول المناوئة لنفوذهما الى زعامتهما عبر مجلس الامن والشرعية الدولية من خلال استغلال بعض القضايا الجنائىة او الارهابية على حد زعمهما ، وبذلك كانت هذه القضية رغم شدة الجد ل القانوني والسياسي حولها تنذر بمرحلة جديدة في السياسة الدولية من شأنها ان تفرض قدرا كبيرا من الوصاية على سياسات الدول الضعيفة ومواقفها وعلاقاتها الدولية وتجعل من مجلس الامن سلطة عقابية وحسابية تستخدمه الدول المتنفذة ضد باقي دول العالم وهو ما من شأنه ان يعيد الشرعية الدولية والقانونية الى آليات سياسية بين الدول صاحبة حق النقض في مجلس الامن .

ورغم فداحة الخسائر والاضرار التي تحملتها ليبيا من جراء فرض العقوبات ونتائج وانعكاسات هذه القضية فان الحق يقال : ان الموقف الليبي كان موقفا مبدئىا دافعت به عن الشرعية الدولية والقانون الدولي كما دافعت به عن كثير من دول العالم خاصة في الشرق الاوسط كان يمكن ان تواجه بنفس القضية الليبية ، لكن لجوء ليبيا للمحكمة الدولية وتحريكها للآليات والجوانب القانونية بابعادها الدولية والجنائية والقضائية اسهم في افشال كثير من الخطط الامريكية والبريطانية في ادارة هذه القضية واللجوء لمثل هذا الاسلوب في الهيمنة على الدول التي تعارض سياساتها .

ورغم ما انتهت اليه هذه القضية الا ان هذه التسوية ليست هي الحل النهائي . بل ربما ان هذه التسوية هي بداية مرحلة جديدة للازمة والخروج من حالة الاحتقان التي وقفت عندها خلال العامين الماضيين خصوصاً بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية باختصاصها في النظر في مثل قضية لوكربي وبقراءة سريعة الى التسوية التي انتهت اليها القضية نجد ان هناك اكثر من سبب لانفجارها على ابعاد جديدة ابرزها :ـ

1ـ ان التسوية لم تتضمن رفعا تاما ونهائيا وشاملا للعقوبات واكتفت بالتعليق .

2ـ ربط رفع العقوبات بتقرير من الامين العام للامم المتحدة بعدم ضلوع ليبيا في الارهاب الدولي وهذا يعني ان ليبيا كدولة متهمة وعليها ان تبحث لها عن اسس وتبريرات للدفاع عن نفسها .

3ـ ان التسوية التي تمت استندت في الاصل الى تجاوزات كثيرة للقانون الدولي والشرعية الدولية .

4ـ عدم تحديد مدة نهائية لانجاز محاكمة المتهمين الليبيين .

5ـ ان الضمانات التي قدمت للحكومة الليبية بشأن القضية ضمانات لم ترق لمستوى التأكيد المطلق وانها ستظل خاضعة للمساومات السياسية في المستقبل .

6ـ ان التسوية لم تتضمن تحديداً لمن يتحمل مسؤولية فرض العقوبات والاضرار التي نتجت عنها في حال عدم ثبوت مسؤولية المتهمين او تحملها للمسؤولية بصفتها الشخصية في ضوء هذه الملاحظات يمكننا القول ان القضية لا زالت تحسم ،ولا زال سياق المحاكمة وتقرير الامين العام للامم المتحدة هما الفيصل في تحديد مصير هذه القضية ومصير القانون الدولي والشرعية الدولية .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة