من شوارع الوطن

بقلم : صلاح البردويل

العودة إلى صفحة الرسالة

اليتيمة تدعو لسلاطين المسلمين

احفاد احفادها يتصايحون حولها .. يلعبون لعبة العسكر والحرامية في حوش بيتها الذي اكل الدهر عليه وشرب ولم يبق صحيح ولا اعوج الا زاره آخذا او معطيا او متفرجا او متسليا ..

اهل الحارة يعرفونه ... بيت "اليتيمة " واليتيمة هي الصفة التي لازمت فاطمة مدى حياتها الطويلة منذ ان مات ابوها غريبا في البلقان اثناء الحرب العالمية الاولى !! ولم يتجاوز عمرها آن ذاك ست سنوات كما نقلت عن امها التي رددت لها هذه المقولة قبل موتها .

فاطمة اليتيمة تجاوزت التسعين عاما دون ان يؤثر ذلك في ذاكرتها او حرارة شوقها لرؤية والدها الذي فقد ولم تعد جثته الى اهله .. مازالت دموعها تجد لها طريقا بين اخاديد الوجه العميقة ، مازالت ترفع يديها الى السماء وتدعو الله ان ينصر السلطان في البلقان وان يعز الاسلام في كل مكان .

فاطمة اليتيمة تشعر اليوم باحساس غريب يمتزج فيه الحزن والامل وقد احضر احد احفادها الى بيتها جهاز تلفزيون ... واستمع واياها الى نشرة الاخبار وتفرجوا على صور مذابح المسلمين في كوسوفو .. وقد فوجيء بجدته تهتز بشكل غريب وهي تسمع عن عودة الحرب الى هناك ... ويعلو صوتها بالبكاء والدعاء ان ينصر الله السلطان في البلقان !! قال حفيدها : اي سلطان يا جدتي ؟ قالت : السلطان!! وهل يوجد غير السلطان ؟ قال : كثيرون يا جدتي ... عشرات السلاطين ، قالت : الحمد لله ، اللهم انصر السلاطين .. قال: على من يا جدتي ؟ قالت : على من يعاديهم من الكفار ، قال : اذن لن ينتصروا !! قالت : لماذا ؟ قال : لان اعداءهم ليسوا من هذا الصنف .. هؤلاء اسيادهم ! قالت : استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم ... اما تخاف ان يخسفك الله وانت تغتاب سلاطين المسلمين ؟!! قال : انظري يا جدتي الى هؤلاء الشباب المذبوحين انهم من المسلمين .. جميعهم من المسلمين !! قالت الله اكبر !! واين المسلمون ؟! يا ولدي ابحث بينهم عن جدك ... انه يحمل على ظهره سلاحا طويلا ... وبارودة وسنجة ... واسع العينين .. قصير اليدين ... مقطوع اصابع القدمين وعلى رأسه لفة من القماش الابيص ... انظر يا ولدي ... قال : يا جدتي ، جدي وجد من يصلي عليه ويدفنه ... هؤلاء لا يجدون !! قالت : واين المسلمون ؟ قال : سيعقدون مؤتمر قمة !! قالت : لدفن موتى المسلمين ؟ قال : لا ... بل لدفن الاحياء من المسلمين فرائحة الجثث لا تؤذيهم ، ولكن رائحة الكرامة وصرخات الحرائر والاطفال تزعجهم وتزلزل كراسيهم !! قالت : لا افهم ماذا تقول يا ولدي .. ولكن من اين يأكل الاطفال في العراء ؟ قال : من ايدي المحسنين من الكفرة والمشركين !! قالت : واين اموال المسلمين ؟ قال : سيفكرون ويقررون !! قالت : اذن يموتون .... خذ يا ولدي اكياس اللحمة التي جاءتنتي على العيد وارسلها لهم ... هم اولى مني ! قال : ان شاء الله في الصباح سأوقف طائرة امريكية واركب الى هناك ومعي اللحمة واعود مع الصليب الاحمر !!

وضع محمد يده على خده وهو يتأمل العيون الغائرة والنظرات الحائرة والدموع السابحة في اخاديد وجه جدته العجوز وتحسس شعر رأسه الابيض ... ونظر الى احفاده وهم يتصايحون ببنادقهم الخشبية في قاع الدار ... وعندها اقفل جهاز التلفزيون . قال: يا جدتي ادعي لسلاطين المسلمين بالنصر ... قالت : يا ولدي : وكيف ادعو لهم وليسوا سلاطين ، قال : ادعي يا جدتي فهؤلاء هم سلاطين المسلمين واشار الى احفاده ... عندها فقط لمعت عيون اليتيمة وارتسمت وسط الاخاديد ابتسامة عريضة ورفعت يديها الى السماء .... وقالت : اللهم انصر سلاطين المسلمين .

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة