رسالة

 

العودة إلى صفحة الرسالة

الرسالة (68)

(1)

الى اخي اللاجيء ...

اعرفك - بداية- بنفسي ، فأنا لاجيء مثلك ، اسمح لي اخي ان اتوجه اليك بالحديث :

يسكنني ذات الهم الذي يسكنك ، فالالم الذي يعتصرك يعتصرني ، والشوق الى بلدك الذي يستبد بك يستبد بي ، والشعور بالغربة الذي يمزقك يمزقني . اخي اسكن في معسكر للاجئىن مثلك تماما ، انت في اليرموك ، او في سوف ، او جرش ، او الوحدات ، وانا هنا في الشابورة ، وخانيونس ، والبريج ، والكلابوش ، وانا في جباليا ، والدهيشة ، والعروب، وبلاطة ، وبيت الما ، وانت في الحصن ، والبقعة ،وانا في عسكر وعقبة جبر ، وعين السلطان ، اخي يجلدك الجندي العربي الشهم لكونك لاجئا ، ويمنعك من ان تشرب من مائة ، وان رآك شربت دعا ان يصبح الماء في جوفك سما ودما .

يمنعك الاحتراف ، وان جاد عليك العم سام بكيس من الدقيق ، او بني لأولادك مدرسة ، ولمرضاك عيادة ، او جعل منك كناسا ، او عتالا ، رمقك بعين الحسد ، والحقد ، والازدراء ، كما لو كنت تجلس على قلبه ، او تنهب الهواء الذي ارسله الله له دونك ، وتسرق الحياة التي جعلها الله له دونك .

انت في وسائل اعلامهم قرة العين ، وحبة الفؤاد ، والحق المبين ، انت القداسة ، والثورة ، والنضال ، انت النقاء ، بك يخطب الزعيم ود شعبه ؛  ليصبح في نظره ؛ المغوار الذي سيحرر لك وطنك ، ويعيد لك بسمتك ، ويسترد لك حقوقك في الوقت الذي تبدو زنزانته التي تضمك رحيمة امام كرباجه الذي احترف الرقص على جلدك خارج منتجعات الاعلام .

اخي انني مثلك تماما ، فقد قهر اليهود وعصاباتهم ابي وعائلته ، على الخروج من قريتي تحت وابل من الرصاص الفتاك ، والسكاكين النارية الحادة ، التي ذبحت دير ياسين ، ويافا ، وبيت دراس . خرج  ابي هائما ، زائغ النظرات ، مصدوع الفؤاد ، تجري من خلفه امي المسكينة البائسة ، التي مزقتها الحيرة ، اتحمل الاطفال الثلاثة ؟ ام تسقي الحمام؟ ام تأخذ جرة الماء (وبقجة الهدوم) ؟ هل تترك احدا من صغارها لتعود اليهم في المساء عندما يهدأ (الطخ) ؟ ومن يا ترى ؟ كانت تدور حول نفسها كأنها تودع كل زاوية في دارنا ، تودع ابراج الحمام ، وبقرتها الحلوب، و(بخشتها) التي زرعت فيها شتلات الريحان الى جانب شتلات الفلفل ، والبامية التي (بشرت) ، تبكي كل شيء (المربا) غالي ، تدور حول نفسها متوسلة ابن الحلال  (ابي) الذي كاد (يلخمها) وهو (يصرك) على اسنانه ، (يا الله يا حرمة  خللي لك همة ، اطلعي احسن بيجو يذبحوا الزغار ، ويهتكوا عرض البنات؛ فتدب في قلبها الف فاجعة وفاجعة .

خرج ابي مع 600 الف آخرين من مختلف قرى بلادنا ومدنها حسب تقديرات الوكالة التي صنعها قاتلونا ؛ لاغاثتنا ... انها المؤامرة التي اوجدت كيانا  ليهود بدأ الاعلان عنه ، كما تعرف اخي -على لسان بلفور اللعين وزير خارجية اعتى امبراطوريات الدهاء والاجرام والاستعمار ؛  بريطانيا ، لعنة الله عليها ، والتي لاقت كل الدعم من وريثة الاجرام والقرصنة  والاستبداد امريكا ، دمرها الله .

لقد خرج ابي حافي القدمين ، عاري الرأس ، ووضعت امي -بالكاد- شاشتها  على رأسها ، وما ان رآهما الجنود السبعة حتى  تناوشتهما عيونهم القومية بالازد راء ، والسخرية ، واتهموا ابوه بالخيانة ، وهو الامي الجائع ، واخذت عيونهم تنهش اجساد العذارى البائسات ؛لتصرخ امي : حرام حرام ، ليرشقوها بأفحش الالفاظ ، فتعلنها مدوية الله (يكسركو) يا (ظلام) ، هكذا كانت تفهم امي معنى النصر ، انه ثمرةالحلال ، والعفة ، والحياء ، وقد عرفنا عندما كبرنا انها مقومات الرجولة الحقة ، فمن يرتكب الحرام ليس برجل ، ومن يغرق في الوقاحة والسفالة ليس برجل ، ومن لا يستحيي ليس برجل ، ولا يأتي بالنصر الا الرجال ، رحمة الله عليك يا امي المسكينة ، لقد فارقت الحياة وانت تحلمين بالعودة الى (بخشتك) كي تزرعيها بامية ، وخبيرة ، وريحان .

اخي لقد تآمر علينا العالم فاصدر قراره المشئوم الذي نتباكى عليه اليوم .. سموه القرار 181 في آخر ايام شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 1947 ، والذي ترجم وعد بلفورالذي اصدره ذلك السفاك قبل ثلاثين سنة من ذلك التاريخ -الى حقيقة ، فقد قامت لليهود في بلادنا دولة فاخذوا كـ(المساعير) فينا قتلا وتشريدا وارهابا ، اخذوا بيوتنا ، وممتلكاتنا ، وملاعبنا ، وبيادرنا ، سرقوا زغاليلنا ،  وافراخنا ، واثواب العرائس ، احتلت العصابات الصهيونية ما اعطاه قرار التقسيم لليهود  ، ومعظم ما اعطاه لنا فقد احتلوا يافا ، والجليل ، والرملة ، والناصرة ، وعكا ، واللد ، وشفا عمرو ؛ فصرح (الكونت برنادوت) ذلك الوسيط الدولي المسكين في سبتمبر (ايلول) 1948 بالحقيقة ، ورفع للشرعية الدولية -  تلك الاكذوبة السمجة التي طالما صدقناها فانهزمنا وانمحقنا ، رفع  تقريره الذي حمل العصابات الصهيونية- التي نصنع معها سلاما- المسئولية الكاملة في خلق مشكلتنا ، ودعا الى حلها باعادتنا الى ديارنا واراضينا ، وقالها صريحة : (ان اية تسوية لا يمكن ان تكون عادلة وكاملة ما لم يتم الاعتراف بحق اللاجيء العربي في ان يعود الى المنزل الذي طرد منه نتيجة لما رافق النزاع المسلح بين العرب واليهود في فلسطين من اخطار) واضاف :(لقد جاءت الاكثرية الساحقة من اللاجئين العرب من مناطق تقع وفقا لقرار التقسيم بتاريخ 29/11/1947 خارج الدولة اليهودية) ، كان الرجل صادقا ونزيها في تقريره ؛ لذا قتلوه في رابعة النهار ، قتله يهود ؛ ليقتلوا بذلك كل صاحب صوت صادق ونزيه ، وليقولوا للعالم : (اننا نحارب اذن فنحن موجودون) ، تلك المفردات التي محوناها بايدينا ، فكان لنا الضياع ، والضعف ، والاستجداء ، وهيهات هيهات ان تعيد هذه حقوقا ، او تقيم عدلا ، او ترفع  علما ، او تقيم دولة .

واذا كان للقرار 181 اللعين من منفعة لنا فهي انه ينص على حقنا في انشاء دولة عربية في قسمنا -بموجبه- الذي لم يعد لنا ، ومن سخريات سفاكينا بنا انه بعد اكثر  من نصف قرن من الضياع والشتات والتهجير والغربة يطلع علينا يهودي امريكي يتقدم صفوف المجرمين ليكون رئيسا قادما لهم فيقول : يسقط قرار الشرعية الدولية 181 طامحا (آل جور) في ان يكسب -شعاره ذاك- اصوات المجرمين ، ليجعلوا منه كبيرهم.

وما ان  ينزلق لسان سيده الماجن بيل فيتفوه بكلمات مرتعشة عن حرية لنا في اختيار اماكن سكنانا عند سؤاله عن احقيتنا في العودة ، كما اعاد (الناتو) مساكين كوسوفو ، ما ان ينزلق لسانه بذلك حتى تقوم الدنيا ، ولا تقعد في دولةالكيان ليتقدم منها (آل جور) بألف اعتذار واعتذار وتفسير وتفسير ، لزلة لسان سيده الآيل للسقوط ، وتوبته من الخطيئة التي فاقت خطيئته مع اللعوب (مونيكا) سليلة يهود.

وصل اخي كتاب برنادوت لما يسمى الامم المتحدة ، التي وافقت جمعيتها العمومية في ديسمبر 1948 على قرار حمل رقم 194 الذي نص على حقنا في العودة الى ديارنا وحقنا في التعويض انسجاما مع تقرير برنادوت ، وشكلت الجمعية العمومية لذلك لجنة اسمتها لجنة (التوفيق الدولية) من اجل السعي لتحقيق السلام في بلادنا !! ومن هنا كان الفشل حليفها ؛ لان اليهود لا يرغبون في السلام لانه لا يستقيم به امر مع نفوسهم الخبيثة ، العدوانية ، المجرمة .

اخي .. من هنا اخذوا يتعاملون معنا كلاجئين ، ولسنا اصحاب حق ، ولم يكن لنا دار -ذات يوم- ولا وطن ، بل وانحسرت امام (قضية اللاجئين) كل قضية لنا ، فانبرى القانونيون في الامم  المتحدة ، لاعداد الدراسات حول قرارها 194 ، وعلى وجه الخصوص الفقرة الحادية عشرة منه التي تعالج مشكلتنا على (اساس ضمان حق من يرغب في العودة والتعويض على الباقين)، ودعت ما يسمى بلجنة التوفيق الدولية ممثلي الدول التي استضافتنا وهي مصر ، سورية ، لبنان ، الاردن ، واسرائيل ، ليأتمروا في باريس ، وقد كان -اخي- في 13 سبتمبر (ايلول) 1951 ، واعلن رئيسها هدفه من المؤتمر والذي نصه (تسوية حقوق الاشخاص واوضاعهم وخاصة فيما يتعلق باعادة توطين اللاجئين ودفع التعويضات عن الخسائر الناجمة عن القتال) ، دقق -اخي- في النص :اعادة توطين ، ودفع التعويضات ... اذن فلنصرف  نظرنا عن بلادنا وديارنا ، ولنرض بما يجود به رجالات العرب من بقعة هنا ، وبقعة هناك ، في صحاريهم ، او بين جبالهم ، او سفوح تلالهم ، بديلا عن مروجنا ، وسهولنا ، وساحلنا ، ووهادنا ، ولك -اخي- ان تتصور الرد العربي.

لقد وافقت الوفود العربية بعد ان شاورت (الزعامات) ولكنها -مشكورة- اشترطت اعادتنا الى ديارنا مقابل اية تسوية ، الامر الذي حدا بلجنة التوفيق ان تقدم مشروعا للتسوية اكدت فيه على حقنا في العودة، على ان يتم دفع تعويضات لمن يرغب منا في العودة ، وهو ما  رفضه يهود بكل الاباء والصلف ، رغم ما فيه من الغام ، وما تفوح منه من روائح المؤامرة والاذعان .

اخي لقد اقتلعونا من ارضنا

اقتلعونا من المئات من قرانا والعشرات من مدننا ومازالوا يقتلعوننا من كل  شبر من  ارضنا ، وعين اوسلو ترعانا ، رغم ثلاثين قرارا مؤكدا لقرار 194 وفقرته الاكثر اهمية وشهرة ، والتي نصها : (تقرر ان اللاجئين الذين يرغبون في العودة الى منازلهم وفي ان يعيشوا بسلام مع جيرانهم يجب ان يسمح لهم بذلك في اقرب فرصة ممكنة ، ويجب ان يدفع تعويض لاولئك الذين لا يختارون العودة ، كما يجب ان يعوض عن الخسائر او الاضرار والممتلكات وفقا لمبادئ القانون الدولية او العدالة من قبل السلطات او الحكومات المعنية) .

اخي .. اراني قد اطلت عليك فاسمح لي ان اعود اليك بعد اسبوع ان بقي في العمر بقية ، لاستكمل معك الحديث عن مشكلتي ومشكلتك ومشكلة اللاجئين .

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة