حكومة براك : هل هناك ما يبرر التفاؤل؟!

نهاد الشيخ خليل

العودة إلى صفحة الرسالة

 

استقبل تشكيل حكومة براك ذات الاغلبية العريضة (75 عضوا) في الكنيست بترحيب فلسطيني ، خاصة وان تشكيل هذه الحكومة ترافق مع تصريحات واشارات اسرائيلية تدل على اهتمام براك باحداث تقدم على المسار الفلسطيني الاسرائيلي ومما لاشك فيه ان براك مختلف عن نتنياهو ، ولا يحتاج المراقب الى كثير من الذكاء حتى يكتشف ان براك يرغب في احداث اختراقات على كافة المسارات التفاوضية ، لكن براك يمتلك رغبات اخرى لا تقل اهمية بل -ربما تزيد- عن التقدم في المفاوضات ، مثل تحقيق السلام والانسجام الاسرائيلي الداخلي ، واعادة التقارب العاطفي بين الحكومة الاسرائيلية وكل من الادارة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي بعد فترة التباعد في عهد نتنياهو.

وربما تكون اعقد المشاكل التي تواجه براك مسألة تحقيق السلام الداخلي في حزب العمل تحت قيادته ، والمراقب يلاحظ ان الساسة المخضرمين في حزب العمل يتميزون غيظا من اسلوب براك الذي يفضل الولاءات على الكفاءات ويفتقر الى اللياقة في تعامله معهم، وقد لقن هؤلاء زعيمهم اول درس فيما يمكن ان يفعلوه عندما اسقطوا مرشحه لرئاسة الكنيست ، وصوتوا لمنافسه "ابراهام بورغ" الذي رشح نفسه في مركز حزب العمل كمرشح الحزب لرئاسة الكنيست وبهذا يكون براك -الذي يرغب في ان يكون زعيما لكل الاسرائيليين - قد فشل في ان يكون زعيما مقبولا لكل حزبه ، فما بالك بكل المجتمع الاسرائيلي؟ ودروس السياسة تفيد بأن السلام داخل البيت يعتبر اهم الاسلحة في يد أي زعيم طموح!!

على اية حال ، ورغم ما قد يواجهه براك من صراعات داخل حزبه او داخل المجتمع الاسرائيلي فان عوامل عديدة ستساعده او ربما ستدفعه للسير قدما في المفاوضات منها الرغبة الدولية والاقليمية بتحقيق هذا التقدم ، اضافة الى ان براك قد التزم في برنامجه الانتخابي بتحقيق ذلك.

ولهذا فانه وبعد تجاهل مقلق للطرف الفلسطيني ، وتفضيله الاتصال اولا بالرئيس المصري حسني مبارك وليس بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ، اضافة الى التأكيد على لاءاته المتكررة وايحاءاته بشأن اعطاء الاولوية للمسار السوري ، وصمته عما يحدث بشأن الاستيطان المستارع في اللحظات الاخيرة لحكومة نتنياهو وبعد كل هذا بدأ براك يبعث برسائل تطمين للجانب الفلسطيني ابتدأها بالمكالمة التليفونية مع الرئيس عرفات ، لكن كل تطميناته بقيت مجزوءة وغير محددة وفي العموميات ولم تفصح عن التزامات محددة من طرف براك.

وتقوم طواقم براك التفاوضية بالاستعداد والتحضير لبدء المفاوضات مع الفلسطينيين وذلك لاحداث تقدم في المفاوضات ، ولكن في الاتجاه الذي يريده رئيس الحكومة الاسرائيلية المنتخب وليس وفق الطموحات المتواضعة للمفاوض الفلسطيني والمستقاة من اتفاقيات اوسلو ، وحتى يتضح اسلوب براك وطريقته في التفاوض وصولا لهدفه ،نذكر على سبيل المثال، ان براك اثناء قيادته للجيش الاسرائيلي اقترح ان يتم ( نسخ حرب الخليج في التعامل مع لبنان ) بمعنى قصف وتدمير لبنان بالكامل حتى يتم اخضاعه للارادة الاسرائيلية واملاء كامل الشروط الاسرائيلية في اتفاقية السلام معه.

ولذا فهو عندما تم ضرب البنى التحتية في بيروت مؤخرا لم يستنكر الامر ، وعندما قال وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه ارنس ان العملية تمت بعلم براك ، لم ينف الاخير هذا الخبر.

مما تقدم يتضح ان براك وفي سعيه لاحداث تقدم في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، فانه سيقوم بتحطيم الجانب الفلسطيني معنويا وتجريده من كل الاعوان والانصار والاصدقاء ، وهذا بالضبط ما بدأ براك بتنفيذه ، فبعد فترة الضغط على اعصاب السلطة من خلال تجاهلها على صعيد الاتصالات ، والتلميح بامكانية اعطاء الاولوية لمسارات تفاوضية اخرى ، بعد هذه المرحلة وخلالها جاءت مطالبة براك للامريكان بعدم التدخل مباشرة في المفاوضات ، اما الاوربيون فالفيتو الاسرائيلي على مشاركتهم قديم ، وبهذا يكون براك قد جرد السلطة الفلسطينية مما اسمته انجازا تراكم خلال السنوات الماضية من حكم نتنياهو على صعيد تحقيق تحسن طفيف في العلاقات الفلسطينية الامريكية والاوروبية.

وفي خطابه الاخير امام الكنيست وجه براك دعوة لمصر للعب دور اكبر في عملية السلام ، وهو بهذا يريد ان يدفع مصر للحياد او تعريضها للضغوط الدولية اذا اختارت الاستمرار في مساندة السلطة الفلسطينية.

وفي الختام نقول : براك وحكومته لا يبعثان على التفاؤل ، بل على العكس انهما يبعثان على التشاؤم ، فهو في خطابه الاخير وتصريحاته يحدد سلفا نتائج المفاوضات النهائية على الارض حيث اللاءات الشهيرة والتي اضاف لها (لا) جديدة تتعلق بحق اللاجئين في العودة.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة