الجزائر .. بوتفليقة اطلق قطار الانفتاح السياسي الداخلي وقرر حمل كافة  ملفات الازمةالسياسية الى محطة الشرعية

 

العودة إلى صفحة الرسالة

الرسالة/ عمر قاروط

في سياق توجهاته التي اعلن عنها بوتفليقة منذ حملته الانتخابية وبعد انتخابه لاحقا رئيسا للجزائر اصدر  هذا الاسبوع قرارا بالعفو عن اعداد من المعتقلين السياسيين الاسلاميين المحتجزين في السجون الحكومية منذ الغاء نتائج انتخابات عام 1992 التي جاءت بالاغلبية الساحقة للجبهة الاسلامية للانقاذ حيث اطاح بنتائج هذه الانتخابات قادة الجيش الجزائري في انقلاب ابيض وزج بعشرات الآلاف من مؤيديها في السجون في اجراءات كانت الفريدة من نوعها  ليس في  الجزائر فحسب بل في المنطقة ككل . ورغم انه من غير المعروف عدد الذين سيشملهم العفو الا انه يعتبر اجرأ واهم القرارات التي اقدم عليها بوتفليقة منذ توليه السلطة في  اطار معالجة الازمة السياسية لبلاده .

قرار بوتفليقة  هذا بعث على الارتياح لدى الاوساط الجزائرية والمراقبين لانه اهم خطوة عملية يقدم عليها بشأن اجراءاته لوقف العنف وتحقيقه المصالحة السياسية الداخلية ، كما ان هذا القرار اضفى على سياساته وتوجهاته كثيرا من المصداقية وهو ما  يبشر بامكانية حصوله على مزيد من الدعم والتأييد الداخلي . خاصة وانه في نفس الوقت بدأ الاعداد لتنفيذ مشروع "الوئام المدني"الذي بموجبه سيتم اصدار عفو عام عن المعارضين الذين لم يتورطوا في اعمال  القتل والاغتصاب  بصورة مباشرة.

وينظر كثير من المراقبين الى ان حرص بوتفليقة على عرض مشروع "الوئام المدني" على الاستفتاء الشعبي بأنه قرار مهم في اطار تكريس قيم الديمقراطية واضفاء  المشروعية السياسية على قرارات المصالحة الوطنية من اجل كسب اكبر قدر من الدعم والتأييد لهذه القرارات خاصة في مواجهة الجيش والاجهزة الامنية وبعض القوى السياسية الداخلية المتصارعة "مراكز  قوى النظام" . وينتظر ان يواصل بوتفليقة سلسلة من الاجراءات والاعمال المهمة في  سياق خطة المصالحة الوطنية ابرزها الاخراج نهائيا عن جميع المعتقلين، تفعيل دور القضاء في الملاحقات والمتابعات الجنائية بهدف اخراج ملف العنف  السياسي من يد الامن والجيش وتسليمه للقضاء من اجل استرضاء جميع القوى  السياسية والشعبية وتحجيم دور الاجهزة الامنية والجيش  الشعبي والعسكر في التدخل في ملف المصالحةالوطنية والعنف السياسي ، وكذلك فتح قنوات للحوار بين السلطة والقوى السياسية لكن هذا الملف لازال يكتنفه كثير من الغموض والضبابية من قبل بوتفليقة وربما رد ذلك الى الحرص على عدم اثارة ازمة مع الجيش والامن، وعدم رفع سقف المطالب السياسية من هذا الحوار واعطاء الرئيس مزيدا من الوقت في تقييم  سياساته ومجرى التحولات السياسية ومواقف الدول  العربية والصديقة من التطورات الداخلية في الجزائر .

ورغم تثمين  واهمية  الخطوات التي اقدم  عليها بوتفليقة حتى الآن الا ان قدرا كبيرا  من الحذر والتحفظ لازال يسيطر على الوضع السياسي . فحتى الآن وباستثناء مبادرات بوتفليقة والجبهة فإن الحراك السياسي الداخلي لازال شبه جامد بانتظار النتائج والسقف الذي ستسمح به الحكومة للحريات السياسية والتغيير السياسي ، وهذا يفرض تساؤلا بالغ  الخطورة والقلق بالنسبة لمستقبل الجزائر الا وهو : ما هو موقف الحكومة اذا ما ادت اجواء الانفراج السياسي الى عودة المعارضة السياسية وخاصة الاسلامية الى دائرة  الضوء ؟ وما هو موقفها من المشاركة السياسية اذا ما قررت الانخراط في عملية التغيير السياسي الجديد ؟ وهل ستسمح الحكومة بصعود التيار الاسلامي الى واجهة الحياة السياسية؟ وهل يتطلع التيار الاسلامي الى تولي مهام السلطة في الجزائر بعد التجربة المريرة التي مر بها خلال السنوات السبع الماضية ؟

الواقع ان هذه التساؤلات تعني الكثير في مستقبل الوضع الجزائري  وتعني الحكم الحقيقي على امكانية نجاح الجزائر بالخروج من محنتها السياسية والدخول في مرحلة تجديد حقيقية .

وحتى هذه اللحظة فإن بوتفليقة لا يحاول ان يجيب على مثل هذه التساؤلات او الكشف عن مواقفه واجراءاته وسياساته ازاء هذه الاسئلة والملفات الساخنة تاركا الباب مفتوحا امام المراقبين والقوى السياسية للتكهن والترقب والاهتمام مع تأكيده على حرصه على معالجة كل الملفات والقضايا التي تخرج من محنتها وتعيد لدورها ومكانتها العربية والدولية .

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة