المنظمات الاهلية ومحاولات التشهير  والتشويه

 

العودة إلى صفحة الرسالة

بسام الاقرع - باحث  من المركز الفلسطيني  لحقوق الانسان

تستند  المنظمات  الاهلية  في عملها  على مبدأ  الاتحاد  والتعاون  والتكامل  والدفاع عن القضايا  المجتمعية ،  ومن خلالها  يقوم المجتمع  بالتعبير  عن  ذاته  ، تسعى  الدولة  وبحكم  استحواذها  على القوة  الى  تحقيق  اوسع  اختراق  ممكن  لجسم المجتمع  وفرض  هيمنتها  عليه ،  والسيطرة  على مقدراته  وموارده  ، وفي المقابل  تسعى المنظمات  الاهلية  الى انتزاع  اوسع  هامش  من الحرية  كي  تقوم  بدورها  وتقدم  خدماتها  المجتمعية  في القطاعات  المختلفة  مثالا  لا  حصرا  ، الصحة ،  التعليم ،  الزراعة ،  تنحية المجتمع ،  وفي  خضم  هذا الصراع الطبيعي  بين  الدولة  والمنظمات  الاهلية  تبرز  اهمية  تنظيم  العلاقة  بين الجانبين  .

كان لا بد  من هذه  التوطئة  لفهم  حقيقة  الصراع  الدائر  حاليا  بين  بعض  الاقلام  التي دأبت  على مهاجمة  المنظمات الاهلية  في بعض  الصحف  وانضم  اليها  في الفترة  الاخيرة  بعض  الوزراء  والمتنفذين  في السلطة  الوطنية  ، وبين  المنظما ت الاهلية  الفلسطينية  في اراضي  السلطة  الوطنية  الفلسطينية  ، فمنذ  --- السلطة  الوطنية  الفلسطينية ، والجدل  القائم  حول  شرعية  وطبيعة  المنظمات  الاهلية  ودورها  في المرحلة  الانتقالية  ، يتزايد  وينشب اظفاره  في جسم  المجتم ع الفلسطيني  ، ويهدد  بتمزيقه  ،  وفي هذه الايام  يعاد  انتاج  وعرض  احدى  حلقات  هذا المسلسل  القديم  الجديد  في  مناطق  السلطة  الوطنية  الفلسطنية ،  واقصد  هنا  ازمة  انعدام  الثقة  بين السلطة  الوطنية  الفلسطينية والمنظمات  الاهلية  الفلسطينية  ،  لست  بصدد  الدفاع  عن المنظمات  الاهلية ،  فالدور  الذي  ادته  ولازالت  تؤديه  ليس بحاجة  الى الشرح ،  لكني  اجد  من الضروري   بمكان  التأكيد  على  ان المنظمات الاهلية  الفلسطينية  لم  تكن  منحة من احد ،  بل هي استحقاق  مجتمعي  لا يمكن  الاستغناء عنه ،  من المعروف  ان المنظمات الاهلية   الفلسطينية  وعلى رأسها  المنظمات العاملة  في مجال  حقوق الانسان  احتلت  ولازالت  موقعا  متميزا ورياديا   في الدفاع عن حقوق  الشعب الفلسطيني   الفردية والجماعية ،  لا اجافي  الحقيقة  حين اقول   ان المنظمات  الاهلية  وفي ظل   غياب  السلطة الوطنية   قد ادت  مهام  حكومة  ظل  وقدمت  خدمات   ليست  بالهينة  ابان  فترة  الاحتلال  الصهيوني  ، ولا يزال  ينتظرها   الكثير  لتقدمه   على هذا الصعيد ،  لا سيما  وان المرحلة   المقبلة  مرحلة صعبة  ،  نلقي على كاحلها   مهمات   جسيمة  ، من اللافت  للنظر  ان الحملة  الاخيرة   المتصاعدة   التي  تشنها  هذه الفئة  ضد  المنظمات  غير  الحكومية  تستهدف  هذه  المرة  بشكل  واضح  وسافر  المنظمات  العادلة  في مجال  حقوق الانسان   على الساحة  الفلسطينية ،  ووصل الامر  حد التشكيك  بوطنية  ومصداقية   بعض العاملين  الناشطين  في هذا المجال عبر  تصوير  هذه المنظمات  كاجسام  مشبوهة  تعمل وفق اجندة  اجنبية  لا تخدم  المواطنين  ،  وان العاملين  فيها  اشخاص  فاسدون ،  تجدر الاثارة   الى ان تهمة  الفساد  الموجهة   للمنظمات  الاهلية  تبقى في دائرة  الشبهات غير  المثبتة  وكان الاجدر  لمروجي  هذه الشائعات  اللجوء  الى القضاء  عبر  النائب العام  ، هذا  جانب  ، ومن  جانب اخر  كان من  الاجدى  للسلطة  ان تحاسب من ثبتت  بحقهم تهمة  الفساد  الواردة  اسماءهم  في تقريري هيئة  الرقابة  العامة  والمجلس التشريعي  .

اثر التوقيع على  اتفاقيات  السلام  بين منظمة  التحرير  الفلسطينية  والحكومة الاسرائىلية  واقامة  السلطة  الوطنية  الفلسطينية ، وبعد  قراءة  الواقع  الجديد  الذي  خلقته  هذه الاتفاقات  ، باتت  منظمات  حقوق الانسان  الفلسطينية  - هدف الحملة -  مطالبة  بالعمل  على اجندتين  منفصلتين  هما  :-

1-  الاستمرار  في فضح   ممارسات  قوات الاحتلال  الاسرائىلي  غير  الانسانية  محليا واقليميا  ودوليا  ومطالبة  المجتمع  الدولي  بالتدخل  لوضع  حد لانتهاكات  قوات الاحتلال  الاسرائىلي  لحقوق  الانسان الفلسطيني  .

2-  المساهمة  في بناء  دولة المؤسسات  القائمة  على سيادة  القانون  ، وتعزيز  البناء  الديمقراطي  ، وارساء  دعائم  المجتمع  المدني الفلسطيني  ، وتعزيز  دور المجتمع  وقواه الفاعلة  في التعبير  عن ذاتها  ، ومنع  الهيمنة  علي المجتمع  وموارده  ، واحترام  كرامة الانسان  الفلسطيني  ،  وحرياته  الاساسية  .

المتتبع   لموقف  هذه الفئة  من المنظمات  العاملة  في مجال  حقوق  الانسان   يلمس  دون عناء  حالة التذمر  والتبرم  التي تعتريها  من الدور  الذي تضطلع  به هذه المنظمات  ، ويدرك  ان الحملة  على المنظمات  العاملة  في مجال  حقوق الانسان  ستبدأ  لا محالة  ، وقد  تصورت  هذه الفئة  ان الفرصة  سانحة  لخلخلة  الارض  تحت اقدام  هذه المنظمات  تمهيدا  لا ---  اثر صدور  المنسق  الخاص للامم المتحدة   حول  مبالغ  ادعم التي  التزمت  الدول المانحة  خلال الاعوام الخمسة  الماضية  لقطاع  سيادة القانون  ، وليست بصدد  مناقشة  التقرير  لانه لم  يكن اكثر  من  ذريعة  للهجوم  على  المنظمات  ، بدأت  هذه الفئة  حملتها  المحمومة  على المنظمات الاهلية  وحددت  المنظمات  العاملة  في مجال  حقوق  الانسان  هدفا  لها  ، متوقعة  تحقيق  عدة اهداف  من وراء  هذه الحملة  من بينها  :

1- حشر منظمات حقوق الانسان في زاوية  الدفاع  عن الذات  ، وصرف  نظرها  عن الصراع  الدائر  بين السلطتين  التنفيذية  والتشريعية  حول مشروع  قانون  المنظمات  الاهلية  ، وبالتالي  عدم  قيامها  بدورها  المتوقع  في حسم  الصراع  لصالح  السلطة  التشريعية ، وكان المجلس التشريعي  قد اقر مشروع  القانون  بالقراءة  الثالثة  ، ورفعه  للرئىس  عرفات  للمصادقة  عليه  ، ولا  مصوغ قانوني  امام السلطة  التنفيذية  لتغييره بما يتوافق  ورؤيتها  .

2-  اسكات  صوت  هذه المنظمات  الذي يسبب  احراجا  للسلطة الوطنية  ، ويمس  بسمعتها  امام  الرأي العام  كما تعتقد  هذه الفئة  .

3-  تفتيت  وحدة  المنظمات الاهلية  ، واحداث  شرخ  في موقفها  ، وتحييد  جزء  كبير منها  ، كمرحلة  اولى  ، تمهيدا  لمحاصرتها  والسيطرة  عليها  في  مرحلة سابقة  .

ما يثير  الغرابة  ان تقوم  هذه الفئة  بشن حملتها  المنظمة  على المنظمات  العاملة  في مجال  حقوق الانسان  ، في الوقت  الذي تقود  فيه هذه  المنظمات  حملة تهدف   الى تجنيد   الرأي العام  الاقليمي  والعالمي  من اجل  دعم وخدمة الموقف الفلسطيني  في واحدة  من اهم  واخطر  القضايا   المصيرية  التي تهدد  الوضع القانوني  لمناطق السلطة  الفلسطينية  المحتلة   برمته ،  حيث من المقرر  ان تعقد  الاطراف  السامية  المتعاقدة   على اتفاقية  جنيف  الرابعة  في منتصف  الشهر القادم  مؤتمرا  للبحث  في سبل  واجراءات  تطبيق  الاتفاقية  على الاراضي  الفلسطينية  المحتلة  بما فيها  القدس .

رغم  الحملة  الظالمة  ، ومفارقة  التوقيت  الا انه  من المفيد   فتح  هذا الملف  ، لانه سيساعد  على تصويب  عمل  المنظمات الاهلية  ، واحداث  حالة فرز  حقيقي  بين   المنظمات  ، وليس  من المقبول  اغلاقه  وابقاء  النار  تحت الرماد  ، دون الوصول الى حل  جذري  ينهي  هذه  الحالة  المرضية  ، والتي  ستستمر  لاحقا  ما لم   يبد  حلا  يراعي   خصوصية  المجتمع  الفلسطيني  ، من  المفيد  القول  انه  من غير  الصحي  تعميم  التجربة   المصرية  غير الناجحة   والتي  احدثت  شرخا  في المجتمع   المصري   على المجتمع   الفلسطيني  في هذا  الشأن  ، فلا مجال  للقياس  والمقارنة  بين الحالتين  .

 اعادة  اللحمة  الى المجتمع الفلسطيني   تستلزم   اغلاق  هذا الملف   للابد  ، واغلاقه  يتطلب  جملة  من الخطوات  يجب  القيام  بها  وبشكل  سريع  . مطلوب  من السلطة  الوطنية  ان تقر  بان المنظمات  الاهلية  هي جزء من  نسيج المجتمع   الحي  ولا يمكن  الاستغناء   عنه  باي حال من  الاحوال  وان توسع  هامش  الحريات  الديمقراطية  وان اختلفت  معها  في الرؤى  ، وان تتوقف  عن كيل  الاتهامات  للمنظمات  الاهلية   والتشكيك  بها وبالعاملين   فيها فورا  ، يجب  ان تصادق  السلطة  على مشروع  قانون  الجمعيات  الخيرية  والهيئات  الاجتماعية   المقرر من المجلس التشريعي  بالقراءة  الثالثة ،  والتسليم  بان  القضاء  هو الفيصل   وضرورة   اعماله  ، مطلوب  من المنظمات  الاهلية  الاقرار  بحق السلطة   في مراقبة   ادائها الاداري   ، واوجه  الصرف  المالي  لها  ، ولا اقصد  ان تسيطر   السلطة  على هذه  المنظمات  وتتحكم  بها  ، علما   بان هناك  اقرارا في اوساط  المنظمات    الاهلية بذلك ،  واحدا لا يطلب  من المنظمات  الاهلية   القفز  عن قرارات  المجلس  التشريعي  ، بل يجب احترام   القانون   الذي اقره  المجلس  التشريعي  بهذا الصدد   بالقراءة   الثالثة   يجب  على المنظمات  الاهلية  ان  تسعى  لخلق حالة من الالتصاق   بالقاعدة  الشعبية  لانها المستفيدة  من خدامتها  اضافة  الى انها  ستشكل الحماية  لهذه المنظمات  ، يجب على المنظمات  والسلطة  الوطنية  السعي  الى فتح   قناة للحوار   الجاد والمسؤول   على قاعدة   الصراحة والثقافة  وليس على  قاعدة  الاحتواء  والهيمنة  ومصادرة  الحقوق  .

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة