لماذا يخجلون من الوجه الاخر لدفيد كمحي؟؟

العودة إلى صفحة الرسالة

صالح النعامي

في غمرة التغطية الاعلامية التي حظي بها مؤتمر التطبيع الواسع الذي عقدت جلساته في القاهرة هذا الاسبوع فات الكثيرين الاشارة الى احدى الشخصيات الاسرائيلية البارزة التي كان لها دور حاسم في تنظيم هذا المؤتمر والدعوة اليه  ، ولا ادري هل غابت عن المهللين لهذا المؤتمر تلك التفاصيل المهمة عن هذه الشخصية ام انه تم اخفاؤها عمدا خوفا من الاحراج الذي سيتسبب لهؤلاء المتحمسين لمثل هذه الانشطة جراء اطلاع الرأي العام العربي على ماضي تلك الشخصية وحاضرها ... انه دفيد كمحي النائب السابق لرئيس "الموساد" والذي تولى في فترة لاحقة منصب مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية اثناء حكم اسحاق شامير .. وحتى لا يعتقد احد ان دوافع كمحي -رجل الامن- قد تغيرت واصبحت تنبع من الشعور بالاحترام للامة العربية او الايمان بضرورة انصاف الشعب الفلسطيني فاننا هنا نسلط الاضواء على بعض المحطات في حياة كمحي هذا والتي تثبت بشكل لا يقبل التأويل انه من خلال حماسه للتطبيع مع العالم العربي انما ينطلق من اعتبارات امنية مصلحية محضة.

وحتى ندرك حقيقة كمحي فاننا نورد هنا اشادة اسحاق شامير مسئوله السابق في الموساد ووزير الخارجية الذي عينه مديرا عاما لوزارته ، فقد قال شامير في حفل تنصيب كمحي "ان التاريخ سيذكر لهذا الرجل اسهاماته العظيمة في الذود عن مصالح دولة اسرائيل ومواجهة "اعدائها" ، وقبل توليه منصب نائب رئيس الموساد فقد اوكلت الى كمحي المسئولية عن عمل بعض الدوائر في الجهاز ، فقد تولى المسئولية عن دائرة "قيساريا" حيث ان اعضاء هذه الدائرة مسئولون بشكل مباشر عن جمع المعلومات عن العالم العربي عن طريق زرع العملاء ، وتحت اشراف كمحي حققت "قيساريا" انجازات كبيرة في مجال تجنيد العملاء العرب وزرع وكلاء "الموساد" الاسرائيلي في العواصم العربية ، ويكيل المعلقون العسكريون الكثير من المديح لكمحي على هذه "الانجازات"

وبعد ذلك تولى كمحي الاشراف على دائرة العمل الميداني والتي تعنى بتخطيط عمليات الاغتيال بحق نشطاء عرب وفلسطينيين واجانب وتنفيذها بالتعاون مع الوحدات المختارة في الجيش الاسرائيلي ، وقد حصل كمحي على وسام خاص من رئيس وزراء اسرائيل السابق اسحاق شامير تقديرا لجهوده في تنفيذ عمليات الاغتيال الارهابية التي قام بها "الموساد" ضد قادة م.ت.ف في اعقاب مقتل الرياضيين الاسرائيليين في ميونيخ عام 1972.

وقد لمح الجنرال اهارون ياريف رئيس الاستخبارات العسكرية السابق ومستشار جولدا مائير لشئون الامن سابقا الى الدور الذي قام به كمحي في تنفيذ معظم عمليات الاغتيال بحق القادة الفلسطينيين وذلك في شهادته على تلك الفترة التي خص بها القناة الاولى في التلفزيون الاسرائيلي في العام 1993 ، وبعد ذلك تولى كمحي بشكل مؤقت ادارة قسم الابحاث التابع للموساد والذي تستند الى دراساته الحكومات الاسرائيلية لدى اقدامها على اتخاذ قراراتها السياسية ، وعندما اصبح نائبا لرئيس الموساد شارك كمحي في اتخاذ جميع القرارات الهامة جدا والتي من بينها اختطاف طائرة امين عام حزب البعث السوري المساعد عبد الله الاحمر على اعتبار انها تقل جورج حبش رئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وفي كتابه "الخيار الاخير" الذي اصدره كمحي في العام 1990 يجد القارئ النظرة العنصرية الدونية تجاه العرب تسيطر على وجدانه ، ويلفت كمحي الانظار عندما يتطرق بسخرية واستخفاف الى قدرات الدول العربية ، ويعترف بدور اسرائيل في استغلال الاقليات داخل العالم العربي لزعزعة استقرار دوله ولتكون وسيلة لتحقيق مآرب اسرائيل ، ومع العلم ان الموساد اثناء خدمة كمحي في صفوفه ذهب بعيدا في الاتصال بهذه الاقليات ، وخصوصا موارنة لبنان ، لكن ما الذي جعل كمحي يقتنع في النهاية بضرورة الانخراط لدفع عملية التطبيع بين الدولة العبرية والعالم العربي حتى اصبح الاكثر تحمسا لهذه العملية من بين كبار قادة الجيش والمخابرات المتقاعدين؟!!

هذا السؤال اجاب عليه كمحي مرارا وتكرارا ، فبعد التوقيع على "اوسلو" قدم تفسيرا لهذا التحول في انشطته لوسائل الاعلام الاسرائيلية ، اذ اكد انه يؤمن بانه لا يمكن للمرء ان يتوقع ان تحقق اسرائيل انجازات اكثر مما قد حققته الان ، ويقارن كمحي بين ما كان يحلم به هرتزل وبين ما استطاع قادة الحركة الصهيونية تحقيقه ، ويصف ما وصلت اليه الدولة العبرية بأنه "اسطورة" لذا فانه يشير الى بعد اخر ويرى انه الهدف من سعيه للتطبيع مع العالم العربي ، وهو حصول الدولة العبرية على شرعية الوجود لدى الرأي العام العربي ونخبه المثقفة.

كمحي عبر عن توجهه هذا كثر من مرة عندما اشار الى ضرورة دفع الرأي العام العربي الى الاهتمام بالتعاون مع اسرائيل والاثبات ان للعرب ما يكسبونه من جراء ارساء هذه العلاقات ، وكما اخبر مراسل الاذاعة الاسرائيلية باللغة العبرية فان الجهد يجب ان ينصب لاقناع العالم العربي بتجاوز الاسباب الرئيسة التي سببت الصراع والاهتمام بتطوير التعاون الاقليمي في المنطقة ، مع انه لا يخفي حماسه لاجراء المفاوضات مع الاطراف العربية.

كمحي الذي يكثر من زياراته للقاهرة ويشير كثيرا لعلاقاته الوطيدة مع المرحوم لطيف الخولي ، يرفض تصنيفه ضمن "الحمائم" من حيث الطرح السياسي وامكانية تقديم التنازلات للاطراف العربية، وهو لا ينكر تأييده لمواقف "الصقور" في حزب العمل ، هو لا يرفض فكرة الدولة الفلسطينية ، لكنها الدولة التي قال عنها انها "تفتقر الى ادنى درجات السيادة ، وستبقى معتمدة على حسن نوايا دولة اسرائيل الى الابد< .

كمحي يبدي حماسا شديدا للقاءات التي تجمع الشبيبة الاسرائيلية والشبيبة العرب ويعتبر ذلك احد اهم الوسائل لترسيخ شرعية وجود الدولة العبرية في هذه المنطقة.

لا يسأم كمحي من الاشارة الى الاخطار التي تنتظر المنطقة اذا ما استمر تنامي الاصولية الاسلامية ، ويصب جام غضبه في مقابلة مع صوت الجيش الاسرائيلي، بعيد التوقيع على اتفاق طابا، على المثقفين الاسرائيليين الذين ينتقدون "دكتاتورية" الانظمة العربية ، ويتساءل مستنكرا ، "هل سينام هؤلاء البلهاء مرتاحي البال عندما تسفر الانتخابات في العالم العربي عن فوز الاصوليين ، اننا يجب ان نوطد علاقاتنا مع الانظمة القائمة لانها تقوم باستئصال الد اعدائنا واعدائها على حد سواء< . ويرى كمحي ان عهد السلام سيكون كفيلا بالحاق الهزيمة بالثقافة والروح الاسلامية ، ويكرر ما قاله شمعون بيرس بعد عام على توقيع اوسلو >ان من يزور مدينة غزة ويرى ارتفاع عدد الفتيات اللاتي لا يلتزمن بغطاء الرأس يدرك اهمية التوصل الى سلام مع العرب<.

في الوقت الذي يفغر انصار التطبيع في العالم العربي افواههم اعجابا بما يقوله كمحي في مؤتمر القاهرة فانه حري بهم ان يطلعوا على ماضي الرجل وحاضره وحقيقة مواقفه السياسية.

**ابليس في الرهان!!

رحب احد الوزراء الفلسطينيين بتعيين  دفيد ليفي وزيرا لخارجية اسرائيل واعتبر ان ذلك سيكون مؤشرا على تقدم العملية "السلمية" ، ولم ينس هذا الوزير المبهور ان يعدد مواقف ليفي لدرجة ان المرء شعر كما لو ان براك عين فلسطينيا في هذا المنصب .. وحتى يبرهن معاليه على صحة ما يقول فقد عقد مقارنة بين دفيد وسلفه ارئيل شارون .. وعلى حد تصوره فان هذه المقارنة تبرز الفرق بين >المعتدلين< و>المتشددين< في اسرائيل ...

قبل البحث في صحة ما ذهب اليه الوزير فاننا نذكر هنا ان الوزراء وكبار المسئولين في السلطة الفلسطينية لم يمنعهم "تطرف" شارون و>تشدده< من التسلل لواذا للالتقاء به عندما كان متكئا على وسائده الوثيرة في مزرعته الحالمة شمال النقب.

ولم تحل استفزازاته لمسئولي السلطة من مواصلة التفاوض معه ، كانوا دوما يبررون ذلك بالقول >ان شارون لا يمثل مواقفه الشخصية بل وجهة نظر الحكومة الاسرائيلية< .. ما الذي تغير الان؟ .. ليفي ايضا يمثل وجهة نظر حكومة براك التي تضم ممثلي المستوطنين اليهود والتي يكرر رئيسها لاءاته المدوية ..

لقد وصل الامر بشخصية بارزة في السلطة الى حد الاشادة بـ "واقعية" شارون ، وهناك من قدم له الشكر على اجتياحه للبنان في العام 82 مع العلم ان هذا الاجتياح قد قاد لابشع المذابح التي تعرض لها الشعب الفلسطيني .. صبرا وشاتيلا..

لقد رفض شارون مصافحة الرئيس عرفات اثناء المفاوضات حول اتفاقية >واي< ومع كل ما يعنيه هذا الموقف من مس بالشعب الفلسطيني الا ان ذلك لم يمنع كبار اعضاء الوفد الفلسطيني من مصافحة شارون .. وبعد كل هذا العناء والمكابدة التي تحملها المسئولون الفلسطينيون جراء اعتلاء شارون عرش وزارة الخارجية فانه عاد ليطالب باعتقال قادة الاجهزة الامنية الفلسطينية امعانا في الاستخفاف بالسلطة الفلسطينية .. اجتهد المتحدثون باسم السلطة في ابتداع المبررات للتعامل مع شارون وتحمل ممارساته وابتلاع اهاناته المتوالية .. وكما كانت مبررات التعامل مع شارون جاهزة فان احدا لن يجد صعوبة في ايجاد المسوغات للاستبشار بعهد دفيد ليفي الجديد .. وحتى يعي الوزير خطأ رهانه على ليفي فانه يجب ان يعلم ان ليفي وشارون كانا دوما ينتميان الى نفس المدرسة الفكرية داخل حزب الليكود ، وبالطبع يذكر الوزير ان ليفي كاد ان يرفض الدخول للحكومة السابقة لاصرار نتنياهو في بادئ الامر على استثناء شارون من تشكيلة الوزارة ، ولذا لليفي فقط يرجع "الفضل" في الزج بشارون في الحكومة ليلحق بعد ذلك الاذى بزملاء الوزير المحترم .. ليفي يا معالي الوزير ترك حكومة نتنياهو بسبب اعتراضه على طابع نتنياهو الشخصي وطريقة ادارته لشئون الدولة العبرية ... ويسمى حرصا على انصاف الفلسطينيين .

واذا كان شارون قد اشتق شهرته لدى الرأي العام الاسرائيلي بسبب سجله العسكري ، فان ليفي قد حافظ على رصيده >الوطني< بسبب الجهود التي بذلها في مجال الاستيطان اليهودي عندما كان وزيرا للاسكان في حكومات بيغن وشامير ، وحتى هذه اللحظة فان ليفي يؤمن بضرورة الاحتفاظ بكل هذه المستوطنات ..

المجال لا يتسع هنا لإيراد الكثير من الادلة على بؤس رهان الوزير .. ليفي يرى نفسه  "مؤتمن" على مصالح "دولته" ومن هذا المنطلق فان الاعتماد على وجود هذا الوزير الاسرائيلي او ذاك لن يخدم الا اولئك الذين يريدون "الحياة الهادئة" مع اسرائيل.

**شهادة تقدير

مرة اخرى ارى نفسي مدفوعا للاشادة بالخطوات الشجاعة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على صعيد المصالحة الوطنية في بلاده ودفع جزء من استحقاقاتها ، وواضح للعيان ان بوتفليقة يمثل نموذجا من رجال الدولة الذين لم يعرفهم العالم العربي منذ زمن بعيد ...

الافراج عن المعتقلين السياسيين يصلح ليكون فاتحة عهد جديد في بلد المليون شهيد ، مع انه ليس من السهل على بوتفليقة مواصلة هذا السبيل بسبب تضارب ذلك مع مصالح مراكز القوى المعروفة ، وحتى ان كان الجيش قد دعم فرص نجاحه في الانتخابات الاخيرة فان لحظة الصدام بين الفريقين لابد منها اللهم الا اذا تحرر الجنرالات من جلودهم..

من هنا فانه يتوجب تقديم كل الدعم لبوتفليقة .. ومع ذلك فانه من المفترض ان يعي الرئيس ان هناك استحقاقات هامة للمصالحة الوطنية يتوجب الوفاء بها .. فلن يكون مقبولا حصر المشاركة السياسية على الاحزاب التي يمكن للحكومة ان تتعايش معها!! .. مواصلة استبعاد الجبهة الاسلامية للانقاذ من هذه المشاركة سيكون احد اسباب فشل الخطوات الواعدة التي راهن عليها الرئيس بوتفليقة ..

يتحدث الرئيس عن المجرمين الذين قتلوا واغتصبوا لكنه ، بكل تأكيد، يعلم ان ما حدث في الجزائر يتطلب تحقيقا واسعا ومستفيضا لان هناك ملابسات كثيرة يتوجب الكشف عن كنهها وتفسيرها بشكل موضوعي  .. ومع كل ذلك فان هذا لا يمنع من تقديم شهادة التقدير التي يستحقها بوتفليقة ، ولشعب الجزائر الحق في التخلص من هذه المآسي.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة