كشمير ذاك الجرح النازف في خاصرة العالم الاسلامي

 

العودة إلى صفحة الرسالة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى صحبه ومن والاه وبعد :

كثيراً ما يتحدث الخطباء والوعاظ عن مآسي المسلمين في بقاع الارض ... في كشمير ، كوسوفو ، البوسنة والهرسك ، الفلبين ، الشيشان ... الخ ، ولكنه حديث عابر دون تحديد لطبيعة المشكلة وخلفياتها التاريخية ،ونحن في هذا المقال سنحاول القاء الضوء على قضية الشعب المسلم في كشمير علنا نساهم في اجلاء الموقف ومعرفة جذوره وابعاده .

** كشمير الارض والانسان

-تقع "جامو وكشمير" - وهذا اسمها الاصلي - في اقصى الشمال غرب القارة الهندية الباكستانية وتبلغ مساحتها 222 الف كيلو متر مربع ، اي اكثر من ثمانية اضعاف مساحة فلسطين ، وعاصمتها سرنجار.

-تتكون من مجموعة من السلاسل الجبلية العالية وتمتاز بالجمال وروعة المناظر الطبيعية حتى قيل "ان كشمير جنة الله في الارض" وهي دولة تفرشها الخضرة وتنتشر فيها رائحة الزعفران .

- يبلغ عدد سكان كشمير حوالي 12 مليون نسمة ، وهي ذات اغلبية مسلمة تصل حوالي 85% والباقي هندوس .

- يتكون المسلمون من قبائل السيخ والسند والمغول والباتان .

- تنقسم كشمير حالياً الى جزئين احدهما كشمير الحرة وهي جزء من دولة باكستان ويقع الجزء الآخر (وتسمى كشمير المحتلة) تحت الاحتلال الهندوسي .

** خلفيات الصراع الدائر

عند الحديث عن كشمير لا يمكن تجاهل الخلفية التاريخية لشبه القارة الهندية حيث وقعت -شأنها شأن الكثير من البلاد- تحت الاستعمار البريطاني في النصف الاول من القرن التاسع عشر ،وكانت وحدة جغرافية واحدة يسكنها المسلمون والهندوس وغيرهم على حد سواء رغم الاختلافات العرقية والطائفية .

في 28/12/1985 اتفق المسلمون والهندوس في شبه القارة على تشكيل "المؤتمر الهندي" لمقاومة الانجليز واشتركت فيه الاحزاب الاسلامية والهندية ، وتناوب رئاسته المسلمون والهندوس حتى استقل غاندي الزعيم الروحي والسياسي للهندوس بزعامة "المؤتمر الهندي" وادار ظهر المجن للمسلمين ، وعندئذ ظهرت في الافق روح التعصب بين المسلمين والهندوس وان كانت بذورها موجودة من ذي قبل ، مما دفع المسلمين لترك المؤتمر الهندي وتشكيل حزب الرابطة الاسلامي في 30/12/1906 ،كما تكون فيما بعد العديد من الجمعيات الاسلامية وانفقت جميعها على حل مشكلة المسلمين بعد حركة التعصب الهندوسي وشكلت (جبهة التحالف المسلم الهندي) بزعامة محمد علي جناح الذي تمكن من تحقيق فكرة تأسيس الباكستان بعد فوز حزبه في انتخابات 46-47  مما دفع البرلمان البريطاني على الموافقة على قرار التقسيم الذي اتخذ عام 1947 بانفصال الباكستان ، ومما يؤثر عن الزعيم محمد علي جناح "كيف نكون مع الهندوس في دولة واحدة وهم يعبدون البقرة ويقدسونها ونحن نذبحها"؟

** الصراع حول كشمير

ومن الجدير بالذكر ان بريطانيا عندما احتلت شبه القارة الهندية باعت كشمير لزعيم قبيلة هندوسية وابرمت معه اتفاقية عام 1846 وكان ذلك كفيلا  باثارة الفتن والاضطرابات في المنطقة وظل المسلمون في كشمير يخضعون لحكام هند وس مستبدين طيلة قرن كامل .. وقد وصلت هذه الممارسات ذروتها عندما سمح لرجال العصابات من المتطرفين الهندوس السيخ بالانقضاض على المسلمين مما يترتب عليه نزوح عدد كبير من ابناء كشمير الى باكستان هرباً من المذابح حتى كان قرار التقسيم الذي اتخذه البرلمان البريطاني 1947 - والمشار اليه سابقاً- وكان هذا القرار قد منح المقاطعات الهندية التي تضم اكثرية اسلامية حق الاختيار بين الانضمام الى الهند او الى باكستان ومن هذه الولايات ولاية كشمير حيث كانت تضم غالبية مسلمة تبلغ حوالي 85% من السكان الا ان الحاكم الهندوسي للولاية ضمها الى الهند .

رفضت باكستان هذا الاجراء فوقعت المعارك بين البلدين تدخلت على اثرها الامم المتحدة لتفصل بينهما واصدرت قرارا بوقف اطلاق النار في 1/1/1949  عند خط هدنة قسم منطقة كشمير الى قسمين :

القسم الاول : ويمثل ثلثي الارض 80% من سكان الولاية وتقع تحت السيطرة الهندية.

القسم الثاني : ويمثل الثلث الباقي من الارض 20% من السكان ووقع تحت سيطرة باكستان التي يرغب السكان بالانضمام اليها.

ويبلغ طول خط الهدنة الفاصل بين شطري كشمير حوالي  720 كم معظمها مناطق جبلية جليدية يصل ارتفاع بعضها حوالي سبعة آلاف متر وتمثل  اعلى ساحة قتال في  العالم.

** الهند ومحاولة تذويب الشخصية الاسلامية

تبذل الهند منذ استيلائها على كشمير المستحيل لتغيير هويتها الثقافية وطمس معالمها الاسلامية ، وتحويل الشخصية الاسلامية الى شخصية هندوسية فيما يعرف بسياسة "تهنيد المسلمين" ومن هذه الاجراءات :

1- تطبيق المناهج التعليمية الهندوسية.

2- تدريب رجال الاستخبارات من الهندوس كأئمة مساجد لتشويه الصورة الحقيقية للاسلام.

3- نشر الاباحية والفساد الخلقي وترويج الخمر تحت رعاية السلطات الحاكمة مباشرة.

4- بث الخلافات لتشتيت كلمة المسلمين .

5- تشجيع  الزواج بين المسلمين والهندوس.

6- دعم الاحزاب العلمانية وايجاد قيادة عملية لتنفيذ هذه المخططات العدوانية .

7- ممارسة اعمال العنف والقمع الوحشي ضد العلماء وقادة الحركة الاسلامية وشباب الصحوة.

8- قتل المدنيين وانتهاك الاعراض وحرق المنازل والمتاجر والمدارس وهدم المساجد.. حيث تتكون اداة القمع الهندية من 80 الف هندوسي ولذلك وصل عدد الشهداء في كشمير الى اكثر من 75 الفا ، والجرحى 85 الفا، والمعتقلين اكثر من 80 الفا ، وهناك 12 الف امرأة مسلمة تم اغتصابهن بشكل جماعي ، كما تم احراق اكثر من 40 الف منزل .

** سياسة التهنيد والدور الاسرائيلي

يقول سيد صلاح الدين زعيم جماعة المجاهدين -احدى الفصائل المجاهدة-  :"ان لديهم ادلة على ان اسرائيل تقوم منذ اكثر من 10 سنوات بتدريب وحدات كوماندوز هندية على اعمال فرض سياسات الامر الواقع على الارض وقمع السكان المسلمين الذين تتعرض مناطقهم الى برنامج تهنيد منظم يدفع بهم الي الهجرة ان ارادوا البقاء احياء" .

وكشف صلاح الدين النقاب عن وقوع بعض القتلى الاسرائيليين وقال : "ان اسرئيل قدمت خطة تفصيلية للهند للطريقة المثلى لاخلاء كشمير من سكانها المسلمين وهي خطة تحمل نفس بنود استراتيجية الدولة العبرية في تهويد الاراضي العربية المحتلة وطرد  السكان الاصليين منها وتوطين المهاجرين الجدد .

** كشمير والصراع  الهندي الباكستاني :

يشار الى ان الهند والباكستان خاضتا ثلاثة حروب منذ تقسيم شبه القارة الهندية واستقلال باكستان عام 1947 من بينها حربان بسبب كشمير وهي حرب 1947 -التي اشرنا اليها- وحرب عام 1965 وكانت بسبب تصميم الهند  على اعتبار كشمير جزءاً لا يتجزأ من الهند مما ادى الى توتر العلاقات بين البلدين ، الامر الذي ادى الى نشوب الحرب في آب وايلول 1965، واما الحرب  الثالثة فكانت عام 1971 عندما فاز مجيب الرحمن في الشطر الشرقي من باكستان في اول انتخابات ديمقراطية جرت عام 1970 مما دفعه الى الانفصال عن  باكستان بحرب دموية عام 1971 تدخلت فيها الهند داعمة مجيب الرحمن لانفصال ما  يسمى بدولة بنغلادش .

-ورغم تشكيل اللجان المشتركة بين البلدين واللقاءات الثنائية على اعلى المستوىات بين حين وآخر لحل مشكلة الاقليم الا ان بوادر الحل لم تلح في الافق بعد .. اذ لا زال كلا الطرفين متمسكاً بموقفه ، فباكستان تطالب بضرورة اجراء استفتاء لتقرير المصير كما نصت قرارات الامم المتحدة وكما نص قرارتقسيم شبه القارة الهندية عام 1947  والصادر عن البرلمان البريطاني ، وفي المقابل فإن الهند ترى ان جامبو وكشمير جزء  لا يتجزأ من اراضيها وترفض اجراء الاستفتاء ولذلك يمكن القول بأن منطقة كشمير ستبقى بؤرة الصراع بين الدولتين ، ولكن : وبعد امتلاك كل  منهما للسلاح النووي فإن اي خطأ في الحسابات قد يعرض المنطقة برمتها الى  حرب تدميرية مجنونة كما يقول المحللون العسكريون .

** جهاد شعب كشمير

ظل المسلمون في كشمير يطالبون بحقوقهم بطرق سلمية اكثر من اربعين عاما منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947 ابتداء من العصيان المدني حتى اللجوء الى المنظمات الدولية، ولكن الهند لم تستجب لمطالبهم ورفضت  تنفيذ قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن باجراء استفتاء بين سكان الاقليم يحددون فيه عما اذا كانوا  يرغبون في الانضمام الى الهند ام الى باكستان او يكون لهم حكم ذاتي او دولة مستقلة ، وبعد فشل كل الجهود  وابتداء من عام 1990 قرر المجاهدون الكشميريون المسلمون بدء الكفاح المسلح ضد القوات الهندية من اجل التخلص من احتلالها لاراضيهم ومن ثم الانضمام الى باكستان الدولة  المسلمة.

وثمة الآن خمسة عشر منظمة جهادية في كشمير تحت اسم "الاتحاد الاسلامي  لمجاهدي كشمير" كما وان هناك عشر منظمات اسلامية وسياسية اتحدت تحت اسم "حركة تحرير كشمير المسلمة" هذا الى جانب حزب الجهاد وجمعية المجاهدين وحزب المجاهدين وغيرها.

ولقد اجتمع المسؤولون في هذه المنظمات ووضعوا خططا  للدعوة الاسلامية في جامو وكشمير وتشكلت لجنة من ممثلين لهذه المنظمات واختارت 300 مسجد موزع في انحاء الولاية ومناطق اللاجئين لتكون مراكز لنشاط الدعوة الاسلامية.

ويمثل جهاد الشعب المسلم في كشمير حلقة من حلقات الصراع بين الاسلام والكفر ولذلك فلا نستغرب ما تشير اليه بعض التقارير الى وجود مقاتلين افغان  وعرب وسط المقاتلين الكشميريين وهذا ما يؤكده مير فضل الرحمن خليل رئيس حركة المجاهدين : "ان ثمة افراداً من حركة طالبان ومن العرب يقاتلون الى جانب  الكشميريين .. هذا جهاد اسلامي ونحن نرحب بكل من يأتي للمشاركة فيه" ، وهذا ما تؤكده الهند من طرفها (اي عقائدية الصراع) حيث يقول وزير خارجيتها "سينغ" : "ان الهند تواجه تهديدا اصوليا  اسلاميا في كشمير ".

وتعتبر احداث 9/5/1999 آخر حلقة من سلسلة جهاد الشعب المسلم في كشمير للوجود الهندي في المنطقة حيث اشارت التقارير الى تسلل حوالي 400 مجاهد الى المنطقة الخاضعة  للسيطرة الهندية واستعادتهم ما يقارب من 29 من قمم الجبال في جبهة يصل طولها الى حوالي  150 كم على طول خط المراقبة الفاصل بين شطري كشمير عند منطقة تسمى كارجيلودراس ، وتعتبر هذه القمم الجبلية ذات اهمية استراتيجية ولذلك استخدمت الهند ولاول مرة طائرات الميراج لطرد المجاهدين وواصلت قصفها العنيف واستعادت بعض القمم ،ولازالت الهند ترفض مواصلة الحوار مع باكستان طالما لم تسحب الاخيرة المجاهدين من قمم الجبال.


آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة