التعذيب في سجون الإحتلال

 

العودة إلى صفحة الرسالة

95% من المعتقلين الفلسطينيين  تعرضوا لتعذيب قاس في سجون الاحتلال

نماذج : كامل  خرج يعاني  من امراض  ذهنية  حادة  لدرجة  انه حاول قتل زوجته  واولاده

القيسي : لم  اكن  احس بوجود  رقبتي  خلال  رحلة  التعذيب

غزة - فتحي صباح

يعتبر كامل نموذجا حيا صارخا على وحشية الاحتلال الصهيوني لفلسطين و ممارساته التي فاقت كل تصور ضد شعب يقاوم محتلا اغتصب ارضه وعاث فيها فسادا .

كامل المولود في مخيم جباليا عام 1961 تحول عام 1986 من مناضل يشع حيوية و نشاط الى رجل يعاني امراضا عقلية و نفسية حادة .

فبعد اعتقاله على خلفية مقاومة الاحتلال عذبه المحققون الاسرائيليون فترة طويلة من الزمن ووضعوه في زنزانة انفرادية ثلاثة اشهر متتالية لم ير خلالها  اي فرد سوى المحققين .

وضعوا كيسا ذا رائحة نتنة على رأسه ووجهه طوال تلك الفترة مارسوا معه كل اشكال التعذيب الوحشي غير الانساني ؛ شبح ، حرمان من النوم مدة تصل الى خمسة ايام متتالية ، موسيقى صاخبة ، سكب ماء بارد تارة ، و ساخن تارة اخرى اضافة الى اشكال اخرى متعددة .

بعد عام على اعتقاله افردت سلطات الاحتلال عنه ليخرج وهو يعاني من امراض ذهنية حادة ، شعور بالاضطهاد ، غيرة زوجية قاتلة ، يعتقد ان زوجته تريد ان تضع له السم في الطعام في كل وجبة تقدمها له لدرجة انه اقدم على محاولة قتلها و قتل اولاده الست مرات عدة ( 3 ابناء و 3 بنات ) ؟.

كامل يدخن طوال الوقت بشراهة ، يحمل عصيا و سكاكين و تنتابه هلاوس سمعية و بصرية ، ويعتقد بوجود تهديد دائم من جهات مجهولة على حياته ، يجلس في وضع المستعد لاي طارئ و كأنه ينتظر مهاجمين من جهة ما ، لا يمارس اي عمل منذ خروجه من السجن ، نقص وزنه 16 كيلو غرام .

رغم عدم وجود احصاءات محددة الا ان كامل ليس الوحيد الذي افرج عنه بهذه الحالة من بين عشرات الاف المعتقلين الفلسطينيين الذين عذبتهم اجهزة الأمن الاسرائيلية .

وحسب احصاءات اللجنة الدولية للصليب الاحمر فإن اكثر من سبعمائة الف مناضل فلسطيني تم اعتقالهم منذ العام 67 وحتى الان ، اكثر من 90 % منهم تعرضوا لصنوف شتى من التعذيب القاسي و الوسائل و الممارسات الحاطة بالكرامة .

سابقة خطيرة

تعتبر الدولة العبرية الوحيدة في العالم التي تقر التعذيب بقرار من المحكمة العليا "اعلى هيئة قضائية فيها" .

ففي الرابع عشر من كانون ثاني/ يناير 1996 فاجأت المحكمة العليا الاسرائيلية المجتمع الدولي وخبراء حقوق الانسان حين اقرت في سابقة تعتبر الاولى من نوعها استخدام العنف الجسدي وممارسة اسلوب الهز بعنف خلال التحقيق مع معتقلين فلسطينيين في اطار ردها على التماس قدم اليها نيابة عن المعتقل عبد الحليم البلبيسي -27 عاماً- من مخيم جباليا شمال غزة .

وجاء هذا القرار الغريب من نوعه لينهي فصلاً من الجدل احتدم في دولة الكيان خلال السنوات الماضية حول شرعية ممارسة التعذيب والضغط الجسدي وتحديداً الهز العنيف ضد المعتقلين السياسيين من قبل جهاز الامن العام (الشاباك).

وكانت لجنة تحقيق خاصة يرأسها رئيس المحكمة العليا الاسرائيلية في حينه موشيه لانداو وعرفت باسم (لجنة لانداو) قد سمحت عام 1987 لجهاز الامن العام " الشاباك " باستخدام ما أسمته "قدر معتدل من الضغط الجسدي" خلال التحقيق مع المعتقلين الفلسطينيين وهو ما يعني عملياً اعطاء الشرعية لاستخدام التعذيب لانتزاع الاعترافات منهم ، وعلى الرغم من نشر اجزاء من تقرير تلك اللجنة الا ان الجزء الخاص بالاساليب المستخدمة والوسائل التي يجوز لمحققي جهاز الامن العام استخدامها قد ابقى سرياً ولم ينشر حتى الآن .

التعذيب و المواثيق الدولية

وعرفت اتفاقية مناهضة التعذيب انه " أي عمل ينتج عنه ألم أو عناء شديد جسدياً كان او نفسياً يتم الحاقه عمداً بشخص ما من قبل احد الموظفين الرسميين او بتحريض منه لاغراض مثل الحصول من هذا الشخص او شخص آخر على معلومات او اعترافات او معاقبة على عمل ارتكبه او يشتبه في انه ارتكبه او تخويف اشخاص آخرين ولا يشمل التعذيب الالم او العناء الذي يكون ناشئاً عن مجرد جزاءات مشروعة او ملازمة لها او مترتباً عليها في حدود تمشي ذلك مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء".

ويقول الاختصاصي النفسي في برنامج غزة للصحة النفسية صابر النيرب ان اهمية هذا التعريف تنبع من كونه ملزماً لجميع الدول الموقعة عليه واكثر اتساعاً وتحديداً من التعاريف السابقة له وفيه المعايير والشروط الواضحة للتعامل في هذا الموضوع مشيرا الى ان الجمعية العامة دعت الى اعتبار التعذيب جنحة جنائية ولهذا يجب ملاحقة ومحاكمة مرتكبيها بموجب قوانينهم الخاصة.

وافاد ان سلطات الاحتلال الاسرائيلي وعبر اجهزتها الامنية المختلفة دأبت على وممارسة كل اشكال التعذيب بحق المواطنين الفلسطينيين عامة والمعتقلين الفلسطينيين خاصة والتي وصلت الى ذروتها ابان الانتفاضة المباركة ( 1987-1993 ) حيث شملت آلاف المعتقلين الفلسطينيين وادت الى وفاة العشرات منهم في اقبية التحقيق مشيراً الى ان عدد كبير من المواطنين الفلسطينيين لا يزالون يعانون اشد المعاناة نفسياً واجتماعياً حتى يومنا هذا من "الخبرات الصادمة" المؤلمة جراء تعرضهم للتعذيب .

مسئولية دولية

واكد المحامي راجي الصوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ان المجتمع الدولي يقع تحت طائلة الالزام القانوني والاخلاقي بتوفير الحماية للسكان المدنيين الفلسطينيين ولاسيما المعتقلين في السجون الاسرائيلي لاتخاذ الاجراءات العقابية بحق الدول العبرية بكافة اجهزتها التنفيذية والقضائية.

اساليب مختلفة

ومنذ ان احتلت الدولة العبرية الضفة والقطاع والقدس عام 1967 اعتقلت قوات الاحتلال و الاجهزة الامنية نحو 700 الف فلسطيني حسب مصادر الصليب الاحمر وتتم عملية الاعتقال في ظروف مختلفة ولكنها لا تبعد عن ثلاثة اساليب الاول الاعتقال من الطريق او اثناء نشاط نضالي حيث يسارع الجنود الاسرائيليين بعصب عيني المعتقل وتقييده وضربه وممارسة سياسة تكسير العظام التي ابتدعها رئيس الوراء الاسرائيلي اسحاق رابين ( اغتيل عام 95 على يد متطرف يهودي ) ونفذها وطورها رئيس الوزراء المنتخب ايهود باراك الذي كان في حينه رئيساً لهيئة اركان رابين سنوات الانتفاضة.

فيما الاسلوب الثاني الاعتقال على الحواجز ولا يختلف عن سابقه فيما الاسلوب الثالث والذي يهدف الى ترويع المعتقل واسرته اثناء اعتقاله من بيته في ساعة متأخرة من الليل بواسطة قوات معززة من الجنود  تقوم باقتحام البيت والقبض على الشخص امام الزوجة والاطفال والاهل وضربه واحيانا ضرب افراد عائلته واقتياده معصوب العينين  ورميه في عربة الجيش ليتناوب الجنود المتواجدين على ضربه حتى قبل وصوله الى غرفة التحقيق.

95 % تعرضوا للتعذيب

ويقول د. قوتة ان مركزه اعد بحثاً على عينة من (477) معتقلاً محرراً من المعتقلات الاسرائيلية ممثلة لكل المناطق الفلسطينية الجغرافية وللتيارات السياسية في قطاع غزة ممن تراوحت فترة اعتقالهم ما بين 6أشهر -10 سنوات.

واشار الى ان النتائج اظهرت ان المعتقلين تعرضوا للعديد من اساليب التعذيب الجسدي والنفسي بهدف اجبارهم على الاعتراف بأي تهم امنية وجهت اليهم او الى غيرهم.

واكدت نتائج د. قوتة ان الغالبية العظمى من افراد العينة (95.8%) تعرضوا للتعذيب كما تعرض 92.9% منهم للبرودة الشديدة و 76.7% للحرارة الشديدة و 91.6% من المعتقلين اجبروا على الوقوف فترات طويلة.

واضاف: ان 68.1% من العينة تعرضوا لمحاولات خنق للرقبة و77.4% حرموا من تناول الطعام لمدد طويلة و86% تم حبسهم انفرادياً بينما تعرض 71.5% للحرمان من النوم و81.6% لضجيج شديد و94.8% للاهانة بالالفاظ و 90.6% لتهديدات علبى سلامتهم الشخصية كما اجبر 70.2% من المعتقلين على مشاهدة تعذيب آخرين امامهم وتعرض 66% لعصر الخصيتين كما تعرض 9.5% لاساليب تعذيب اخرى بضمنها الصدمات الكهربائية وتعرض 31.4% لاستنشاق غازات مهيجة وكذلك تعرض 11.1% منهم لادخال آلات غريبة داخل القضيب او زجاجات مياه غازية فارغة داخل الشرج.

كما وتظهر النتائج ان عائلات المعتقلين تعرضت ايضاً لسوء المعاملة من قبل الجنود الاسرائيليين فقد ذكر 28.1% من افراد العينة ان افراد عائلاتهم عذبوا امام اعينهم بينما ذكر 27.9% منهم انهم تلقوا تهديدات باغتصاب زوجاتهم وامهاتهم واوضح 44.9% امام ذويهم قد تعرضوا للضرب و31% من المعتقلين تحدثوا عن تحطيم الجنود اثاث المنزل لحظة اعتقالهم.

وتشير النتائج الى ان 14.9% من افراد العينة يعانون من صعوبات في التكيف مع العائلة بينما ذكر 44.7% منهم انهم يواجهون صعوبات في التعامل مع الآخرين و20.1% يعانون من مشاكل جنسية وعائلية بينما يعاني 76.5% من مشاكل اقتصادية.

منظمة العفو الدولية (امنستي) التي لا تكاد تخلو تقاريرها السنوية او الفرعية من اجراءات  تتعلق بتعذيب المعتلقين.

وفي الوقت الذي تنفي فيه حكومة تل ابيب ممارسة التعذيب بحق الفلسطينيين في سجونها قدمت (امنستي) تقاريراً دورية وشهادات شفوية الى لجنة مناهضة التعذيب حول بواعث قلقها بشأن التعذيب والاعتقال الاداري في السجون الاسرائيلية خاصة وان "اسرائيل" سمحت رسمياً بانتهاكات حقوق الانسان مثل الاعدام خارج نطاق القضاء واحتجاز الرهائن واستخدام التعذيب.

ضحايا التعذيب

و يمتلئ المجتمع الفلسطيني بأمثلة حية حول ضحايا التعذيب الوحشي على ايدي الجنود الاسرائيليون و محققي الشاباك و اجهزة المخابرات المختلفة الذين يتفننون بابتكارها .

هاني مظهر الطالب في جامعة بيرزيت قبض عليه يوليو 94 نقل للتحقيق معه الى سجن رام الله و منع من الاتصال بمحام بناء على امر تم تجديده عدة مرات لجأ محامي مظهر الى الاستئناف لدى المحكمة العليا الاسرائيلية التي سمحت له لقاء محاميه بعد شهر تقريبا من اعتقاله .

ابلغ مظهر محاميه انه حرم من النوم و ظل مقيدا بالاصفاد في اوضاع مؤلمة مدة اسبوع ، و قال انه تعرض للتهديد بالقتل و الايذاء البدني و النفسي .

امنستي في تقرير لها صدر عام 95 قالت ان رد وزارة العدل الاسرائيلية على خطابات اعضائها لا يقترن بحرمان مظهر م النوم او ابقائه في وضع مؤلم ، و لا ينفيه ، و انما يشير الى ما جاء في صحيفة الاتهام من مظهر تم تجنيده في الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اوائل عام 94 ، و يذكر التقرير اسم احمد سعيد الطالب في جامعة بيرزي ايضا المتهم بحمل رسالة الى يحيى عياش الذي اغتالته اسرائيل في غزة يناير 96 ، سعيد تعرض لشتى صنوف التعذيب و الشبح تحت اشعة الشمس الحارقة .

وفي التقرير اسماء اخرى كثيرة وحالات تعذيب لا تعد و لا تحصى ، و لا يقتصر الامر على امنستي بل ان معظم المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان و المنظمات المناهضة للتعذيب و منها منظمات اسرائيلية و فلسطينية .

الهز حتى الموت

ويعتبر الهز العنيف من اقسى اشكال التعذيب و اكثرها وحشية و يقوم المحققون من خلاله بالامساك بالمعتقل من قميصه وهزه الى الامام و الخلف هزا عنيفا في الوقت الذي يكون المعتقل مقيدا من ارجله و يديه خلف ظهره الى مقعد يشبه مقاعد الاطفال غير ان أرجل المقعد الامامية اقصر من الخلفية .

ويصف المعتقل عبد الناصر القيسي الهز العنيف في شهادته لمنظمة بيتسيلم الاسرائيلية الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الانسان واعادت نشرها امنستي ان المحقق " بني " وضع قدمه على السلسلة التي تربط رجلي بينما كانت يداي مقيدتان خلف ظهري و قبض على ياقة قميصي و امالني الى الوراء بزاوية قدرها 45 درجة و شرع يهززني بعنف ، و شعرت عندها بأنني اختنق ولم اكن احس بوجود رقبتي و في المرة الاولى التي فعل فيها ذلك سقطت مغشيا على الارض .

وفي مقابلة مع امنستي قال القيسي " عاد المحققان دوري و كوهين الى هزه من جديد بقوة شديدة ، فإذا احس احدهما بالتعب بدأ الاخر في الهز ، و اغمي علي ثم احضرا الطبيب الذي قال ان المرض اشتد علي فردوا عليه بأنهم يعرفون ثم غادر الطبيب الغرفة فوضعاني في وضع الشبح " الوقوف فترات طويلة " و تركاني و انصرف .

و من اشهر قضايا الهز العنيف المعتقل عبد الرحمن حريزات الذي دخل في غيبوبة بعد نحو 20 ساعة على اعتقاله ولكنه لم ينتقل على المستشفى على الفور بل بعد ساعة كاملة حيث نقل من معتقل المسكوبية الى مستشفى هداسا عين كارم .

اما تقرير التشريح الذي اجرياه طبيبان اسرائيليان فقال : " ... اننا نسجل رأينا بأن وفاته كانت نتيجة التهائب رئوي حاد و قصور في عدة اجهزة بالجسم عقب التجمل الورمي الشديد للسوائل في المخ المصحوب بنزيف تحت عظم الجمجمة الخلفية و اغشية المخ و تلف حاد في الياف المخ .

واضاف التقرير " وجود نزيف سطحي تحت الجلد في الجزء العلوي و الامامي من الصدر و الاكتاف مع التهاب حاد مصاحب له " ( تقرير امنستي - الموت هزا - حالة حريزات - اكتوبر 95 ) .

من حينها لم تحدث حالات موت نتيجة الهز العنيف المفضي الى الموت لكن التعذيب بأشكال كافة بما فيها الهز لم يتوقف و لا زالت سلطات الاحتلال و الاجهزة الامنية تنتهك حقوق الانسان الفلسطيني و تطلعاته الوطنية والقومية للانعتاق من ظلم و بطش الجلاد ... فإلى متى ؟!

 

 



آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة