نتائج الانتخابات الكويتية ... سقوط الحكومة وفوز كاسح للمعارضة ... وللمرأة!!

 

العودة إلى صفحة الرسالة

جواد ابو شمالة

لم تأت الرياح بما تشتهي سفن الاسرة الحاكمة في الكويت وحكومتها ، الامر الذي سيجعل الامير الكويتي يندم على اليوم الذي قرر فيه حل مجلس الامة بحجة عرقلته عمل الحكومة ، وذلك بالرغم من ان المعارضة بشقيها الاسلامي والليبرالي كانت تشكل الاقلية في البرلمان ولكنها اقلية منظمة وفاعلة.

اما في هذه الانتخابات التي جرت السبت الماضي كانت المفاجأة حيث قلبت الموازين رأسا على عقب ، وذلك بعد ان افرزت النتائج فوزا ساحقا للمعارضة التي اصبحت تشكل اغلبية الثلثين في البرلمان الحالي وتحول نواب الحكومة الى اقلية بعد فوزهم بستة عشر مقعدا فقط من مقاعد البرلمان الخمسين ، الامر الذي لم يكن مفاجئا للامير والحكومة فقط بل لجميع المراقبين للشأن الكويتي والخليجي عموما.

فالامير عبد الله الصباح عندما شاهد الحكومة تتهاوى تحت ضربات مجلس الامة والاتهامات الدامغة لبعض وزرائها بالفساد اتخذ عدة قرارات تهدف الى "كسر التوازن" الحاصل بين البرلمان والحكومة لصالح الحكومة ، هذه القرارات تمثلت بحل البرلمان من جهة وادخال كرة جديدة في الملعب السياسي وهي كرة المرأة ، باصدار مرسوم اميري يسمح لها بالمشاركة في الانتخابات والترشيح للانتخابات القادمة عام 2003.

ولكن يبدو ان الامير لم يقرأ الساحة السياسية جيدا ، فالاسلاميون -رغم اختلاف مواقفهم بشأن المرسوم الخاص بالمرأة- اضافوا الى قوتهم اربعة مقاعد جديدة وضاعفت المعارضة الليبرالية من قوتها اربعة اضعاف وخسرت الحكومة اكثر من نصف مقاعدها.

لقد دلت هذه النتائج على ان الجماهير الكويتية ناقمة على الحكومة ووزرائها بسبب سوء التصرف والفساد المالي ، كما دلت على تأييد الناخبين للمعارضة في مواجهتها للحكومة وبعدالة مطالبها خاصة فيما يتعلق بضرورة الفصل بين ولاية العهد ورئاسة الوزراء - المعروف ان ولي العهد الكويتي سعد الصباح يرأس الحكومة منذ العام 1978 / كما تمسك العائلة المالكة بالوزارات الرئيسة فيها- وكذلك مطلب البرلمان برفع صلاحياته لتصل الى الحق في حجب الثقة عن الحكومة والمشاركة الفاعلة بالقرارات الاستراتيجية للدولة خاصة فيما يتعلق بالقرارات السياسية والسياسة الاقتصادية للدولة وربما كان الوضع الاقتصادي من العوامل المهمة للسقوط المدوي للحكومة الكويتية بسبب اسعار النفط التي وصلت الى ادنى مستوى لها في بلد يعتمد في مصادر دخله على النفط.

والان وبعد هذه النتائج كيف ستكون الحالة السياسية في الكويت في المستقبل ؟ من المؤكد ان صيفا ساخنا ينتظر الكويت فاذا كانت الحكومة لم تسلم من المعارضة وهي اقلية فماذا يكون الحال وهي تشكل الغالبية الان؟! خاصة اذا بدأ البرلمان بفتح ملفات الفساد مباشرة وهو بالمناسبة مطلب جماهيري بعد فوز شخصيات اسلامية وليبرالية معروفة بمحاربتها الشديدة للفساد الحكومي في البرلمان السابق ، كما ان التشكيلة الحالية تمكن البرلمان من منع اقرار القوانين التي لا يرضى عنها وهو ما سيزيد الوضع سخونة بين المجلس والحكومة ، وهو ما يعني -حسب ما اتوقع- ان عمر البرلمان الحالي سيكون اقصر بكثير من البرلمان السابق.

وعلى الرغم من الهزيمة القاسية للحكومة الا انها ما زالت تملك مجموعة من الاوراق اهمها ورقة اللعب على المتناقضات الداخلية للمعارضة البرلمانية (الاسلاميون والليبراليون ) الذين يحملون مواقف متباينة جدا في بعض القضايا مثل موضوع المرأة والاقتصاد ، فالاسلاميون والليبراليون غير متفقين بشأن الموقف من دخول المرأة الحياة السياسية والمشاركة في الترشيح والانتخاب ، فضلا عن الاختلاف داخل صفوف التيار الاسلامي من جهة والتيار الاسلامي السني والشيعي من جهة اخرى.

وفي موضوع الاقتصاد يؤيد الليبراليون الانفتاح الاقتصادي امام الاسواق العالمية بحيث يسمح للاموال الكويتية الاستثمار خارج حدود الكويت ، كما تسمح للشركات العالمية العمل داخل الكويت الامر الذي يعارضه الاسلاميون ، هذا الاختلاف في المواقف سيشكل مداخل جيدة لتمرير قرارات الحكومة خاصة اذا ما علمنا ان اعضاء الحكومة البالغ عددهم 16 عضوا لهم الحق في التصويت داخل البرلمان!!

اما بخصوص المرسوم الاميري الخاص بالمرأة فان التشكيلة البرلمانية الجديدة تسمح بالموافقة والمصادقة عليه بأغلبية كبيرة مشكلة من (نواب الحكومة الـ 41ووزراء الحكومة الـ 16 والكتلة الليبرالية المكونة من 16 نائبا والنواب الشيعة البالغ عددهم 6 نواب ، والنواب السنة وستنحصر المعارضة فقط في الحركة السلفية والقسم الآخر للنواب السنة والذين سيحدون في النهاية ان من الحكمة الموافقة على المرسوم وعدم التصادم مع نصف المجتمع الذي تشكله المرأة علما ان الاسلام لا يعارض من حيث المبدأ مشاركة المرأة في الحياة السياسية واتخاذ القرار والاسلاميون يخطئون خطأ كبيرا اذا عارضوا هذا المرسوم، مهما كانت مبرراتهم منطقية والشارع الكويتي -كما ظهر من نتائج الانتخابات- يؤيد هذه الخطوة وهو ما يفسر العدد الكبير من المقاعد التي حصل عليها الليبراليون ، فقد زاد عددهم من اربعة مقاعد الى 16 مقعدا في البرلمان.

في ظل هذه التشكيلة الجديدة للبرلمان سيجد ولي العهد سعد الصباح نفسه مضطرا لتشكيل حكومة متوافقة مع مجلس الامة لتضمن لها الاستمرار واستبعاد عدد من الوزراء الذين كانوا سببا في حل المجلس السابق وتطعيم الحكومة بوزراء من التكنوقراط وليس ممثلي القبائل والعائلة المالكة كما انه مدعو لادخال وزراء يمثلون كافة التيارات السياسية التي نجحت في الانتخابات البرلمانية فيما يعكس رغبة جامحة لدى الجمهور بالتغيير الجذري للسياسة الحكومية وادخال دماء جديدة للحكومة.

وفي ختام تحليلنا لنتائح هذه الانتخابات يمكننا القول ان تحولا سياسيا واجتماعيا بدأ يشق طريقه ليس للكويت فقط بل لدول الخليج عموما، فقد عكست النتائج الخطيرة والنسبة العالية في التصويت مدى الوعي الذي تحلى به الناخبون خاصة فيما يتعلق بالابتعاد عن الحاكمين وممثليهم وهي ظاهرة لم تكن معهودة في المجتمعات الخليجية.

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة