السودان ... مواقف وأحقاد يفضحها تقرير "إيغاد"

 

العودة إلى صفحة الرسالة

صالح النعامي

مجموعة "ايغاد" منظمة اقليمية تضم في عضويتها عددا من الدول الاوروبية ، وقد زار وفد من ممثلي هذه الدول السودان بقصد تقصي الحقائق عما يدور في هذا البلد والبحث في مزاعم قوى المعارضة السودانية تجاه تجربة نظام الحكم الاسلامي هناك، وقد كانت مفاجأة لاعضاء الوفد ان اكتشفوا زيف الادعاءات التي تروجها المعارضة السودانية والتي ترددها دول عربية جارة للسودان ، وقد اكد الوفد الاوروبي في تقرير تم رفعه لحكومات دول "ايغاد" على ان دستور السودان يؤسس لمجتمع جديد منفتح يحمل ثوابت وطنية لا خلاف عليها كالمواطنة والوحدة الطوعية والتعددية السياسية الحزبية والفصل بين السلطات واستقلال القضاء والنظام الفيدرالي ، ويشيد الوفد الاوروبي بشكل خاص بقانون "التوالي الحزبي" الذي قال عنه انه "يوفر الارضية المناسبة لممارسة حزبية بعيدة عن العجز والفوضى ويتيح للافراد والشعب الانخراط في احزاب نابعة منه وممثلة لارادته فارضة رقابة المجتمع على الدولة لتعديل مسار السياسات الوطنية".

هذه الشهادة ذات المدلول الكبير لم يحظ بها نظام عربي واحد على الاطلاق ، ومع ذلك فإن دولا عربية وافريقية وذات حضور قوي لا زالت تتربص بالسودان الدوائر وتحيك المؤامرات للمساس باستقرار النظام فيه عبر التنسيق مع قوى سودانية مأجورة ، والطامة الكبرى ان هذه الدول تبرر التعاون مع المعارضة السودانية بالادعاء ان هذا ينبع من الحرص على مصالح الشعب السوداني ، وحقه في تحديد خياراته السياسية.. اي حرص هذا على مصالح السودان وشعبه اذا كان ممثلو الدول الاوروبية، الذين لا يستطيع احد التشكيك في حياديتهم ، يؤكدون على نزاهة النظام السياسي في السودان؟ .. كيف يتسنى لانظمة دكتاتورية قمعية ان تدعي الحرص على "دمقرطة" الحياة السياسية في السودان؟ .. ثم من هي قوى المعارضة السودانية التي تزعم انها بديل افضل من النظام القائم !!!  جون قرنق؟.. الذي تؤكد مصادر اسرائيلية وغربية انه على علاقات وثيقة بالموساد الاسرائيلي ، بل انه زار تل ابيب عدة مرات وتتلقى قواته تدريبات على ايدي ضباط اسرائيليين ، وكيف تفكر مصر في استقبال قرنق بينما يؤكد الصحافي الاسرائيلي شلولو نكديمون ان اسرائيل تشجع قرنق على فصل جنوب السودان عن شماله وذلك من اجل الهيمنة على منابع النيل وذلك بالتعاون مع حكومة اثيوبيا وبالتالي ممارسة الضغوط والابتزاز على حكومات مصر والسودان تبعا لبوصلة المصالح الاسرائيلية ، وماذا يعني ان يكون مقر المعارضة السودانية في "اسمرة" عاصمة اريتريا التي يتباهى رئيسها "اساياس افورقي" بعلاقاته الوثيقة بالموساد ايضا؟.. لقد فعل الحسد افاعيله في قلوب حكام الدول العربية والافريقية المناهضة لحكومة السودان وهم يرونها ترسي دعائم استقرار سياسي يستحق الاعجاب ، لقد اغاظهم ان تعلن السودان انه سيكون بامكانها تصدير النفط ابتداء من مايو المقبل، من هنا فقد تراجعت الكثير من قوى المعارضة السودانية عن موقفها المسبق، وحتى من الاحزاب المسيحية ، واعلنت قيادات العديد منها عن نيتها العودة للسودان لمباشرة العمل السياسي على ارض الوطن لا من خلال قلاع الاعداء.

ان الانجازات التي حققتها حكومة السودان لا تشكل عبرة فقط للانظمة الدكتاتورية العربية بل ايضا للقوى السياسية التي تحاول استبدال هذه الانظمة وخصوصا الحركات الاسلامية، فحكومة البشير ادركت الخطأ الكامن في استنزاف الطاقات من اجل دفع مشروع "الدولة الرسالية" لان ذلك الى جانب كونه لا يأخذ بحجم السودان العسكري والاقتصادي فإنه ايضا يسهل من عملية تأطير الاعداء ضده مع انها لم تتنازل عنه، ان فكر الترابي الخلاق هو الذي ادرك ضرورة التمييز بين تبني فكر سياسي وبين محبطات الواقع الموضوعية ، فالتعامل مع الواقع كما هو وسيلة ناجحة للتخلص من سلبياته ومعوقاته وبالتالي فتح الطريق لتحقيق الاهداف الكبرى.

** ابو حمزة

شبكات التلفزة البريطانية وبعض الفضائيات العربية لا هم لها هذه الايام الا اجراء المقابلات المصورة مع مصطفى كامل المعروف بـ"ابوحمزة" والذي ينصب نفسه رئيساً لجماعة يطلق عليها "انصار السنة" التي تتخذ من لندن مقراً لها . وابو حمزة هذا يظهر في وسائل الاعلام الغربية والعربية على حد سواء كمن يحمل وحده عبء الدعوة الى الله ولا سبيل الا السبيل التي يسلكها هو وكل من يرفض فكرته فهو مجرد "متقاعس" ، ويوجز ابوحمزة حل مشاكل العالم الاسلامي في : السيف، والسيف فقط ، لا مجال هنا لتسليط الاضواء على افكار ابي حمزة ، فمن يراه ويستمع الى خطابه الشعبوي المتنطع يعتقد لاول وهلة انه يشاهد عرضاً مسرحياً كوميدياً بالغ التفاهة ، وبالتالي فإن معظم المسلمين يستمعون الى هذا الجاهل من باب التسلية الثقيلة ، لكن الاشكالية تكمن في محاولة الذين يقفون وراء هذه البرامج التلفزيونية لتسويق ابو حمزة كـ"ممثل الاسلام الاوحد" ، وذلك حتى يسهل على اعداء الاسلام الطعن في اهليته واهلية من يدعون دعوته للمساهمة في عملية صنع القرار تجاه كل ما يتعلق بالعالم الاسلامي ،والا لماذا يمكنون هذا الاهوج من الوصول الى هذا العدد الكبير من المنابر الاعلامية ، مع ان هناك الكثير من المفكرين ممن يزهو الاسلام بهم والمسلمون ويستطيعون التعبير عن مواقف اسلامية خلاقة ومشرفة. اذن حشر "ابوحمزة" واستمزاج رأيه في كل شاردة وواردة لا يهدف الا الى تضليل المشاهد العربي والغربي على حد سواء ، من هنا تبرز الحاجة لان يضافر المفكرون الاسلاميون جهودهم لتعرية هذا التوجه الرخيص والمغرض ... اما "ابوحمزة" فيكفيه ما قاله الحطيئة :ـ

لو ان خفة عقله في رجله سبق الغزال ولم يفته الارنب

** عندما تتحدث الدموع !!

اشاح بوجهه صوب قمم الجبال التي امامه فإذا بدموعه تنهمر من مآق اضناها تتابع العبرات ، كان الاحساس بالعجز والحيرة طاغياً على محياه الطلق هذا المنظر كان للحاج "سلمان برافتش" العجوز الالباني المسلم والذي تجاوز عمره السبعين عندما لاحقته كاميرا احدى الفضائيات وهو يحاول الفرار من قريته "سينتا" في اقليم "كوسوفو" .

القرويون الالبان لم يكن باستطاعتهم استخدام الجرارات الزراعية في الهرب لان الصرب قد رابطوا على كل الطرق المؤدية الى القرية ، ولم يبق ملاذا سوى الاحراش التي تكسو سفوح الجبال المتاخمة للقرية ، لكن قوى الحاج برافتش البدنية لا تسمح له بصعود الجبال في جو وصلت فيه درجة الحرارة الى 30 درجة تحت الصفر ، هذا العجوز كان امامه خياران احلاهما مر ، فإما البقاء في القرية والموت ضحية القصف الوحشي، او المغامرة باقتفاء اثر الهاربين ويكون بذلك تحت رحمة هذا الجو الموغل في القساوة ، كل من رأى الحاج برافتش وهو يروي قصته تتمزق نياط قلبه وهو يشهد المأساة التي يعيشها هذا الشيخ ، لم يكن هذا اول هروب لبرافتش ، ففي العام 1963 هاجم الصرب قريته هذه وكان شاهد عيان لعملية قتل ابيه وامه واثنتين من اخواته ، ففر من الموت المحقق وهو عندها بكامل قواه البدنية ....

والآن يعيد التاريخ نفسه لكن في ظروف اخرى ...قصة برافتش هي قصة عشرات الآلاف من المسلمين الالبان في كوسوفو الذين يتعرضون لحرب تطهير عرقي هي الابشع التي عرفها العالم ... لماذا يترك المسلمون في هذا "الاقليم" ليواجهوا بأبدانهم آلة الاجرام الصربية دون ان يحرك العالم ساكناً ؟؟ لماذا تراجع حلف شمال الاطلسي عن انذاره للصرب ؟؟ لماذا بقيت القاذفات الامريكية رابضة في قواعدها في شمال ايطاليا ولم يكتو مجرمو الصرب بنيرانها كما يكتوي بها اطفال العراق الابرياء؟! مالذي يغري رئيس صربيا المجرم سلوبدان ميلو سوفيتش بالاستخفاف بكل قرارات ما يعرف بـ"الشرعية الدولية" ؟؟ لماذا كل هذا الصمت على هذه الجرائم ؟؟ اين منظومة "دول العالم الاسلامي" ، ام ان ما يحدث للمسلمين في كوسوفو لا يعني احد؟؟ اسئلة كثيرة تدور في خلد المرء وهو يرى لحية الحاج برافتش تقطر دمعاً ، ولسان حاله يردد ما قاله احد الذين كانوا عرضة لتوالي الشدائد :ـ

وقائلة ما بال دمعك ابيض فقلت لها يا علو هذا الذي بقي

ألم تعلمي ان البكا طال عمره فشابت دموعي عندما شاب مفرقي

وعما قليل لا دمع ولا دم ولم يبق الا لوعتي وتحرقي


**كلنتون في حذاء بلفور؟!!

بات في حكم المؤكد انه لن يتم الاعلان عن الدولة الفلسطينية في الرابع من مايو المقبل ، فالرأي السائد لدى السلطة الفلسطينية يقول: ان مثل هذه الخطوة ستقدم لنتنياهو خدمة مجانية حيث سيكون بامكانه ضم منطقة "ج" التي تقدر بـ 70% من مساحة الضفة الغربية و 35% من مساحة قطاع غزة الى اسرائيل، وعليه فإن اصحاب هذا الرأي الغالب يقولون ان عليهم ان يترقبوا حتى يتم تشكيل حكومة جديدة في اسرائيل، لكنهم في المقابل يريدون ان يجعلوا لهذا "التراجع" ثمنا سياسيا قوامه ان تتعهد الولايات المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في حال قيامها "مكافأة" للجانب الفلسطيني الذي عدل عن تاريخ الرابع من ايار كموعد "مقدس".

استطلاعات الرأي العام في اسرائيل حتى الان تؤكد انه في حال تنافس نتنياهو وبراك في الجولة الثانية فإن نتنياهو سيفوز وبالتالي سيظل في منصبه الحالي حتى العام 2004 ، لكنه هذه المرة سيكون اكثر تصميما على منهجه الايديولوجي وسيجد نفسه معتمدا على احزاب وحركات صهيونية متطرفة جدا ، وعليه فإن الذي تراجع عن اعلان الدولة لمجرد ان ذلك يساهم في تعجيل نهاية نتنياهو واقصائه عن الحكم سيجد "بيبي" مرة اخرى، اما الرهان على موقف امريكا والافتراض ان كلنتون سيدعم الاعلان عن الدولة في المستقبل في حال عودة نتنياهو فهذا سيناريو تنفي حدوثه مستقبلا التجربة والماضي القريب، فالولايات المتحدة رفضت مجرد الاعلان عن مبادرتها التي قادت لاتفاق "واي" حتى لا يوجه اللوم لاسرائيل بسبب رفض نتنياهو لهذه المبادرة ، مع ان كلنتون اجبر السلطة على القبول بمعظم التعديلات التي رأى نتنياهو ضرورة ادخالها على المبادرة الامريكية ، ان كل هذا الرهان على الموقف الامريكي يهدف الى ذر الرماد في العيون ، ومحاولة لتعليق الفلسطينيين بالسراب الذي تبشر به واشنطن ، وذلك لاعطاء مبرر لمواصلة المفاوضات واللقاءات الى ما لا نهاية وبدون تحقيق اي هدف، وهنا بودي ان اقتبس ما قاله الدكتور "يوري بونديك" احد مهندسي اتفاق "اوسلو" الذي قال ان هذا الاتفاق لن يرد للفلسطينيين القدس ولا الارض ولن يمنحهم السيادة ولن تطأ اقدام اللاجئين الفلسطينيين هذه الارض ، ولن يتمتع سكان الضفة والقطاع باكثر من حكم ذاتي .. ويعقد الكاتب والمفكر الاسرائيلي "بي ميخائيل" مقارنة بين حزب الله والجانب الفلسطيني ويقول "انه في الوقت الذي تحاول فيه كل الاحزاب الاسرائيلية تغيير مواقفها باتجاه الموقف الذي يُرضي حزب الله نجد ان الفلسطينيين يحاولون اقلمة مواقفهم لتقترب من اكثر الاحزاب الصيهونية تطرفا". اذن اذا كان وعد بلفور قد شكل المرجعية التي اعتمدت عليها الحركة الصهيونية لاقامة "اسرائيل" فإن كلنتون ابعد ما يكون عن لعب هذا الدور لصالح الدولة الفلسطينية .

وهنا يحضرني ما قاله وزير العدل الامريكي الاسبق رامزي كلارك "ان اي طرف عربي اذا خسر المواجهة العسكرية مع اسرائيل، فعليه ان يقبل بكل ما تراه اسرائيل، اما الولايات المتحدة فستعمل دوما على فرض حل يتفق مع نتائج هذه المواجهة".

 

آخر تعديل بتاريخ 28/03/00

العودة إلى صفحة الرسالة

 

 

 

تصميم وإشرافسامي يوسف نوفل